والوعد والوعيد ، وسائر ما يلحق بهذا الطريق من عذاب ومغفرة وغير ذلك.
وهذه طريقة القرآن الكريم في تكليمه للناس ، فهو يصرح أن الامر أعظم مما يتوهمه الناس أو يخيل إليهم ، غير انه شيء لا تسعه حواصلهم وحقائق لا تحيط بها أفهامهم ولذلك نزل منزلة قريبة من أفق إدراكهم لينالوا ما شاء الله أن ينالوه من تأويل هذا الكتاب العزيز كما قال تعالى : ( والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) الزخرف ـ ٤.
فالقرآن الكريم يعتمد في خصوصيات ما نبأ به من أحكام الجزاء وما يرتبط بها على الاحكام الكلية العقلائية الدائرة بين العقلاء المبتنية على المصالح والمفاسد ، ومن لطيف الامر : أن هذه الحقائق المستورة عن سطح الافهام العادية قابلة التطبيق على الاحكام العقلائية المذكورة ، ممكنة التوجيه بها ، فإن العقل العملي الاجتماعي لا يأبى مثلا التشديد على بعض المفسدين بمؤاخذته بجميع ما يترتب على عمله من المضار والمفاسد الاجتماعية كان يؤاخذ القاتل بجميع الحقوق الاجتماعية الفائتة بسبب موت المقتول ، أو يؤاخذ من سنن سنة سيئة بجميع المخالفات الجارية على وفق سنته ، ففي المثال الاول يقضي بأن المعاصي التي كانت ترى ظاهرا أفعالا للمقتول فاعلها هو القاتل بحسب الاعتبار العقلائي ، وفي المثال الثاني بإن السيئات التي عملها التابعون لتلك السنة السيئة أفعال فعلها أول من سن تلك السنة المتبوعة ، في عين أنها افعال للتابعين فيها ، فهي افعال لهم معا ، فلذلك يؤاخذ بها كما يؤخذون.
وكذلك يمكن أن يقضي بكون الفاعل لفعل غير فاعل له ، أو الفعل المعين المحدود غير ذلك الفعل ، أو حسنات الغير حسنات للانسان ، أو للانسان امثال تلك الحسنات ، كل ذلك باقتضاء من المصالح الموجودة.
فالقرآن الكريم يعلل هذه الاحكام العجيبة الموجودة في الجزاء كمجازاة الانسان بفعل غيره خيرا أو شرا ، وإسناد الفعل إلى غير فاعله ، وجعل الفعل غير نفسه ، إلى غير ذلك ، ويوضحها بالقوانين العقلائية الموجودة في ظرف الاجتماع وفي سطح الافهام العامة ، وإن كانت بحسب الحقيقة ذات نظام غير نظام الحس ، وكانت الاحكام الاجتماعية العقلائية محصورة مقصورة على الحياة الدنيا ، وسينكشف على