الانسان ما هو مستور عنه اليوم يوم تبلى السرائر كما قال تعالى : ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ) الاعراف ـ ٥٣ ، وقال تعالى : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين ( إلى أن قال ) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) يونس ـ ٣٩.
وبهذا الذي ذكرناه يرتفع الاختلاف المترائى بين هذه الآيات المشتملة على هذه الاحكام العجيبة وبين أمثال قوله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزال ـ ٨ ، وقوله تعالى : ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) الانعام ـ ١٦٤ ، وقوله تعالى : ( كل امرء بما كسب رهين ) الطور ـ ٢١ ، وقوله تعالى : ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) النجم ـ ٣٩ ، وقوله تعالى : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ) يونس ـ ٤٤ ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وذلك ان الآيات السابقة تحكم بأن معاصي المقتول المظلوم إنما فعلها القاتل الظالم فمؤاخذته له بفعل نفسه لا بفعل غيره ، وكذا تحكم بأن من اتبع سنة سيئة ففعل معصية على الاتباع لم يفعلها التابع وحده بل فعله هو وفعله المتبوع ، فالمعصية معصيتان ، وكذا تحكم بأن من أعان ظالما على ظلمه أو اقتدى بإمام ضلال فهو شريك معصيته ، وفاعل كمثله ، فهؤلاء وأمثالهم من مصاديق قوله تعالى : لا تزر وازرة وزر أخرى الآية ونظائرها من حيث الجزاء ، لا أنهم خارجون عن حكمها بالاستثناء أو بالنقض.
وإلى ذلك يشير قوله تعالى : ( وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) الزمر ـ ٧٠ ، فقوله : ( وهو أعلم بما يفعلون ، يدل أو يشعر بأن توفية كل نفس ما عملت إنما هي على حسب ما يعلمه الله سبحانه ويحاسبه من افعالهم لا على حسب ما يحاسبونه من عند انفسهم من غير علم ولا عقل ، فإن الله قد سلب عنهم العقل في الدنيا حيث قال تعالى حكاية عن اصحاب السعير لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في اصحاب السعير ) الملك ـ ١٠ ، وفي الآخرة ايضا حيث قال