( ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى واضل سبيلا ) الاسراء ـ ٧٢ ، وقال تعالى : ( نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة ) الهمزة ـ ٧ ، وقال تعالى في تصديق هذا السلب : ( قالت أخريهم لاوليهم ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) الاعراف ـ ٣٨ ، فأثبت لكل من المتبوعين وتابعيهم الضعف من العذاب ، اما المتبوعين فلضلالهم وإضلالهم ، واما التابعين فلضلالهم وإقامتهم امر متبوعيهم بالتبعية ثم ذكر انهم جميعا لا يعلمون.
فإن قلت : ظاهر هذه الآيات التي تسلب العلم عن المجرمين في الدنيا والآخرة ينافي آيات أخر تثبت لهم العلم كقوله تعالى : ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ) فصلت ـ ٣ ، وكالآيات التي تحتج عليهم ولا معنى للاحتجاج على من لا علم له ولا فقه للاستدلال ، على أن نفس هذه الآيات مشتملة على أقسام من الاحتجاج عليهم في الآخرة ولا مناص من إثبات العقل والادراك لهم فيه ، على أن هاهنا آيات تثبت لهم العلم واليقين في خصوص الآخرة كقوله تعالى : ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد ) ق ـ ٢٢ ، وقوله تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) السجدة ـ ١٢.
قلت : مرجع نفي العلم عنهم في الدنيا نفي اتباع ما عندهم من العلم ، ومعنى نفيه عنهم في الآخرة لزوم ما جروا عليه من الجهالة في الدنيا لهم حين البعث وعدم انفكاك الاعمال عنهم كما قال تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقيه منشورا ) الاسراء ـ ١٣ ، وقوله تعالى : ( قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ) الزخرف ـ ٣٨ ، إلى غير ذلك من الآيات ، وسيجئ إستيفاء هذا البحث في تفسير قوله تعالى : ( يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ) البقرة ـ ٢٤٢.
وقد أجاب الامام الغزالي عن إشكال انتقال الاعمال بجواب آخر ذكره في بعض رسائله فقال ما حاصله : إن نقل الحسنات والسيئات بسبب الظلم واقع في الدنيا وقت جريان الظلم لكن ينكشف ذلك يوم القيامة ، فيرى الظالم مثلا طاعات نفسه في ديوان غيره ، ولم تنقل في ذلك الوقت بل في الدنيا كما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله