الكتاب ، وفي سورة البروج ، باللّوح المحفوظ ، حيث قال تعالى : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) البروج ـ ٢٢ ، وهذا اللّوح إنما كان محفوظاً لحفظه من ورود التغيّر عليه ، ومن المعلوم أن القرآن المنزّل تدريجاً لا يخلو عن ناسخ ومنسوخ وعن التدريج الذي هو نحو من التبدّل ، فالكتاب المبين الذي هو أصل القرآن وحكمه الخالي عن التفصيل أمر وراء هذا المنزّل ، وإِنما هذا بمنزله اللباس لذاك .
ثم إِن هذا المعنى أعني : كون القران في مرتبة التنزيل بالنسبة إِلى الكتاب المبين ـ ونحن نسمّيه بحقيقة الكتاب ـ بمنزلة اللباس من المتلبّس وبمنزلة المثال من الحقيقة وبمنزلة المثَل من الغرض المقصود بالكلام هو المصحّح لأن يطلق القرآن أحياناً على أصل الكتاب كما في قوله تعالى : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، إِلى غير ذلك وهذا الذي ذكرنا هو الموجب لأن يحمل قوله : شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن ، وقوله : إِنا أنزلناه في ليلة مباركة ، وقوله : إِنا أنزلناه في ليلة القدر ، على إِنزال حقيقة الكتاب والكتاب المبين إِلى قلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دفعة كما أُنزل القرآن المفصّل على قلبه تدريجاً في مدة الدعوة النبوية .
وهذا هو الذي يلوح من نحو قوله تعالى : « وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ » طه ـ ١١٤ ، وقوله تعالى : « لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِن عَلَيْنَا بَيَانَهُ » القيامة ـ ١٩ ، فإن الآيات ظاهره في أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان له علم بما سينزل عليه فنُهيَ عن الاستعجال بالقرائة قبل قضاء الوحي ، وسيأتي توضيحه في المقام اللائق به ـ إنشاء الله تعالى ـ .
وبالجملة فإن المتدبّر في الآيات
القرآنية لا يجد مناصاً عن الاعتراف بدلالتها : على كون هذا القرآن المنزّل على النبي تدريجاً متكئاً على حقيقة متعالية عن أن تدركها
أبصار العقول العامة أو تناولها أيدي الأفكار المتلوثة بألواث الهوسات وقذارات المادة ، وأن تلك الحقيقة أُنزلت على النبي إنزالاً فعلّمه الله بذلك حقيقة ما
عناه بكتابه ، وسيجيء بعض من الكلام المتعلق بهذا المعنى في البحث عن التأويل والتنزيل في قوله تعالى : « هُوَ
الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ
» آل