عمران ـ ٧ . فهذا ما يهدي اليه التدبّر ويدل عليه الآيات ، نعم أرباب الحديث ، والغالب من المتكلمين والحسيون من باحثي هذا العصر لمّا أنكروا اصالة ما وراء المادة المحسوسة اضطرّوا الى حمل هذه الآيات ونظائرها كالدّالّة على كون القرآن هدى ورحمة ونوراً وروحاً ومواقع النجوم وكتاباً مبيناً ، وفي لوح محفوظ ، ونازلاً من عند الله ، وفي صحف مطهّرة إِلى غير ذلك من الحقائق على أقسام الاستعارة والمجاز فعاد بذلك القرآن شعراً منثوراً .
ولبعض الباحثين كلام في معنى نزول القرآن في شهر رمضان :
قال ما محصّله : إنه لا ريب أن بعثة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مقارناً لنزول أوّل ما نزل من القرآن وأمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتبليغ والإِنذار ، ولا ريب أن هذه الواقعة إنما وقعت باللّيل لقوله تعالى : « إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ » الدخان ـ ٢ ، ولا ريب أن الليلة كانت من ليالي شهر رمضان لقوله تعالى : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » البقرة ١٨٥ .
وجملة القرآن وإن لم تنزل : في تلك الليلة لكن لما نزلت سورة الحمد فيها ، وهي تشتمل على جمل معارف القرآن فكان كأن القرآن نزل فيها جميعاً فصح ان يقال : أنزلناه في ليلة ( على أن القرآن يطلق على البعض كما يطلق على الكلّ بل يطلق القرآن على سائر الكتب السماويّة أيضاً كالتوراة والإِنجيل والزبور باصطلاح القرآن )
قال : وذلك : أن أول ما نزل من القرآن
قوله تعالى : إِقرأ بإِسم ربّك إلخ ، نزل ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان ، نزل والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
قاصد دار خديجة في وسط الوادي يشاهد جبرائيل فأوحى اليه : قوله تعالى : إقرأ باسم ربك الذي خلق الخ ، ولمّا تلقّى الوحي خطر بباله أن يسأله : كيف يذكر اسم ربّه فتراءى له وعلّمه
بقوله : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين إِلى آخر سورة الحمد ، ثم
علّمه كيفيّة الصلوة ثم غاب عن نظره فصحا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ولم يجد ممّا كان يشاهده أثراً إلا ما كان عليه من التعب الذي عرضه من ضغطة جبرائيل حين الوحي فأخذ في طريقه وهو لا يعلم أنّه رسول من الله إلى الناس ، مأمور بهدايتهم ثم لمّا دخل البيت نام ليلته من شدة التعب فعاد اليه ملك الوحي صبيحة تلك الليلة وأوحى اليه قوله تعالى :