قوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، الشهادة هي الحضور مع تحمل العلم من جهته ، وشهادة الشهر إِنما هو ببلوغه والعلم به ، ويكون بالبعض كما يكون بالكل . وأما كون المراد بشهود الشهر رؤية هلاله وكون الانسان بالحضر مقابل السفر فلا دليل عليه إِلا من طريق الملازمة في بعض الاوقات بحسب القرائن ، ولا قرينة في الآية .
قوله تعالى : ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام اخر ، ايراد هذه الجملة في الآية ثانياً ليس من قبيل التكرار للتأكيد ونحوه لما عرفت أن الآيتين السابقتين مع ما تشتملان عليه مسوقتان للتوطئة والتمهيد دون بيان الحكم وأن الحكم هو الذي بين في الآية الثالثة فلا تكرار .
قوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ، كأنه بيان لمجموع حكم الاستثناء : وهو الافطار في شهر رمضان لمكان نفي العسر ، وصيام عدة من أيام اخر لمكان وجوب اكمال العدة ، واللام في قوله : لتكملوا العدة ، للغاية ، وهو عطف على قوله : يريد ، لكونه مشتملاً على معنى الغاية ، والتقدير وانما أمرناكم بالافطار والقضاء لنخفف عنكم ولتكملوا العدة ، ولعل ايراد قوله : ولتكملوا العدة هو الموجب لاسقاط معنى قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، عن هذه الآية مع تفهم حكمه بنفي العسر وذكره في الآية السابقة .
قوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون ، ظاهر الجملتين على ما يشعر به لام الغاية أنهما لبيان الغاية غاية اصل الصيام دون حكم الاستثناء فإِن تقييد قوله : شهر رمضان بقوله : الذي انزل فيه القرآن الى آخره مشعر بنوع من العلية وارتباط فرض صيام شهر رمضان بنزول القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فيعود معنى الغاية الى ان التلبس بالصوم لاظهار كبريائه تعالى بما نزل عليهم القرآن واعلن ربوبيته وعبوديتهم ، وشكر له بما هداهم الى الحق ، وفرق لهم بكتابه بين الحق والباطل . ولما كان الصوم انما يتصف بكونه شكراً لنعمه اذا كان مشتملاً على حقيقة معنى الصوم وهو الاخلاص لله سبحانه في التنزه عن الواث الطبيعة والكف عن اعظم مشتهيات النفس بخلاف اتصافه بالتكبير لله فإن صورة الصوم والكف سواء اشتمل على اخلاص النية أو لم يشتمل يدل على تكبيره تعالى وتعظيمه فرق بين التكبير
__________________
(١) المراد بالغاية الغرض وهو اصطلاح ( منه ) .