« أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ » الرعد ـ ٣٣ ، وقال تعالى وهو أشمل من الآية السابقة ـ : « شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » آل عمران ـ ١٨ ، فأفاد انه قائم على الموجودات بالعدل فلا يعطي ولا يمنع شيئاً في الوجود ( وليس الوجود إِلا الاعطاء والمنع ) الا بالعدل بإِعطاء كل شيء ما يستحقه ثم بين ان هذا القيام بالعدل مقتضى اسميه الكريمين : العزيز الحكيم فبعزته يقوم على كل شيء وبحكمته يعدل فيه .
وبالجملة لما كان تعالى هو المبدء الذي يبتدى منه وجود كل شيء وأوصافه وآثاره لا مبدء سواه الا وهو ينتهي اليه ، فهو القائم على كل شيء من كل جهة بحقيقة القيام الذي لا يشوبه فتور وخلل ، وليس ذلك لغيره قط الا بإِذنه بوجه ، فليس له تعالى الا القيام من غير ضعف وفتور ، وليس لغيره الا ان يقوم به ، فهناك حصران : حصر القيام عليه ، وحصره على القيام ، وأول الحصرين هو الذي يدل عليه كون القيوم في الآية خبراً بعد خبر لله ( الله القيوم ) ، والحصر الثاني هو الذي تدل عليه الجملة التالية أعني قوله : لا تأخذه سنة ولا نوم .
وقد ظهر من هذا البيان ان اسم القيوم ام الاسماء الاضافية الثابتة له تعالى جميعاً وهي الاسماء التي تدل على معان خارجة عن الذات بوجه كالخالق والرازق والمبدئ والمعيد والمحيي والمميت والغفور والرحيم والودود وغيرها .
قوله تعالى : لا تأخذه سنة ولا نوم ، السنة بكسر السين الفتور الذي يأخذ الحيوان في اول النوم ، والنوم هو الركود الذي يأخذ حواس الحيوان لعوامل طبيعية تحدث في بدنه ، والرؤيا غيره وهي ما يشاهده النائم في منامه .
وقد أورد على قوله : سنة ولا نوم انه على خلاف الترتيب الذي تقتضيه البلاغة فإِن المقام مقام الترقي ، والترقي في الاثبات انما هو من الاضعف الى الاقوى كقولنا : فلان يقدر على حمل عشرة أمنان بل عشرين ، وفلان يجود بالمئات بل بالالوف وفي النفي بالعكس كما نقول : لا يقدر فلان على حمل عشرين ولا عشرة ، ولا يجود بالالوف ولا بالمئات ، فكان ينبغي ان يقال : لا تأخذه نوم ولا سنة .
والجواب : ان الترتيب المذكور لا يدور
مدار الاثبات والنفي دائماً كما يقال :