ذكره بقوله : أنى يحيي هذه الله أقنع نفسه بما عنده من العلم بالقدرة المطلقة ثم لما بين الله له الامر بيان إِشهاد وعيان رجع الى نفسه وصدق ما اعتمد عليه من العلم ، وقال لم تزل تنصح لي ولا تخونني في هدايتك وتقويمك وليس ما لا تزال نفسي تعتمد عليه من كون القدرة مطلقة جهلاً ، بل علم يليق بالاعتماد عليه .
وهذا أمر كثير النظائر فكثيراً ما يكون للانسان علم بشيء ثم يخطر بباله ويهجس في نفسه خاطر ينافيه ، لا للشك وبطلان العلم ، بل لاسباب وعوامل اخرى فيقنع نفسه حتى تنكشف الشبهة ثم يعود فيقول أعلم أن كذا كذا وليس كذا كذا فيقرر بذلك علمه ويطيب نفسه !
وليس معنى الكلام : أنه لما تبين له الامر حصل له العلم وقد كان شاكاً قبل ذلك فقال أعلم « الخ » كما مرت الإشارة اليه لان الرجل كان نبياً مكلماً وساحة الانبياء منزه عن الجهل بالله وخاصة في مثل صفة القدرة التي هي من صفات الذات اولاً : ولان حق الكلام حينئذ أن يقال : علمت أو ما يؤدي معناه ثانياً : ولان حصول العلم بتعلق القدرة بإِحياء الموتى لا يوجب حصول العلم بتعلقها بكل شيء وقد قال : اعلم أن الله بكل شيء قدير ، نعم ربما يحصل الحدس بذلك في بعض النفوس كمن يستعظم أمر الاحياء في القدرة فإذا شاهدها له ما شاهده وذهلت نفسه عن سائر الامور فحكم بأن الذي يحيي الموتى يقدر على كل ما يريد أو أُريد منه ، لكنه اعتقاد حدسي معلول الروع والاستعظام النفسانيين المذكورين ، يزول بزوالهما ولا يوجد لمن لم يشاهد ذلك ، وعلى أي حال لا يستحق التعويل والاعتماد عليه ، وحاشا أن يعد الكلام الالهي مثل هذا الاعتقاد والقول نتيجة حسنة ممدوحة لبيان إِلهي كما هو ظاهر قوله تعالى بعد سرد القصة : فلما تبين له قال : أعلم ان الله على كل شيء قدير ، على انه خطأ في القول لا يليق بساحة الانبياء ثالثاً .
قوله تعالى : وإِذ قال إِبراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى ، قد مر أنه معطوف على مقدر والتقدير : واذكر إِذ قال « الخ » وهو العامل في الظرف ، وقد احتمل بعضهم ان يكون عامل الظرف هو قوله : قال أولم تؤمن ، وترتيب الكلام : أولم تؤمن إِذ قال إِبراهيم رب أرني « الخ » وليس بشيء .
وفي قوله : ارني كيف تحيي الموتى ، دلالة :