الربا انما هو في حال أحل الله البيع وحرم الربا عليهم ، مع ان الامر على خلافه فهم خابطون بعد تشريع هذه الحلية والحرمة وقبل تشريعهما ، فالجملة ليست حالية وانما هي مستأنفة .
وهذه المستأنفة غير متضمنة للتشريع الابتدائي على ما تقدم أن الآيات ظاهرة في سبق أصل تشريع الحرمة ، بل بانية على ما تدل عليها آية آل عمران : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » آل عمران ـ ١٣٠ ، فالجملة أعني قوله : وأحل الله « الخ » لا تدل على إِنشاء الحكم ، بل على الإخبار عن حكم سابق وتوطئة لتفرع قوله بعدها : فمن جائه موعظة من ربه الخ ، هذا ما ينساق اليه ظاهر الآية الشريفة .
وقد قيل : إِن قوله : وأحل الله البيع وحرم الربا مسوق لإبطال قولهم : انما البيع مثل الربا ، والمعنى لو كان كما يقولون لما اختلف حكمهما عند أحكم الحاكمين مع ان الله أحل احدهما وحرم الآخر .
وفيه انه وإِن كان استدلالاً صحيحاً في نفسه لكنه لا ينطبق على لفظ الآية فانه معنى كون الجملة ، وأحل الله « الخ » ، حالية وليست بحال .
وأضعف منه ما ذكره آخرون : ان معنى قوله : وأحل الله « الخ » انه ليست الزيادة في وجه البيع نظير الزيادة في وجه الربا ، لأني احللت البيع وحرمت الربا ، والامر امري ، والخلق خلقي ، أقضي فيهم بما أشاء ، واستعبدهم بما أُريد ، ليس لأحد منهم ان يعترض في حكمي .
وفيه : انه أيضاً مبني على اخذ الجملة حالية لا مستأنفة ، على انه مبني على إِنكار ارتباط الاحكام بالمصالح والمفاسد ارتباط السببية والمسببية ، وبعبارة أُخرى على نفي العلية والمعلولية بين الاشياء وإِسناد الجميع الى الله سبحانه من غير واسطة ، والضرورة تبطله ، على انه خلاف ما هو دأب القرآن من تعليل احكامه وشرائعه بمصالح خاصة أو عامة ، على ان قوله في ضمن هذه الآيات : وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين الآية ، وقوله : لا تظلمون الاية ، وقوله : ان الذين يأكلون الربا الى قوله مثل الربا ، تدل على نوع تعليل لإحلال البيع بكونه جارياً على سنة الفطرة والخلقة ولتحريم الربا بكونه خارجاً عن سنن الاستقامة في الحيوة ، وكونه منافياً غير ملائم للإيمان بالله تعالى ، وكونه ظلماً .