الرفث إِلى نسائكم ، فإن الانسان يستر عورته عن غيره باللباس ، وأما نفس اللباس فلا ستر عنه فكذا كل من الزوجين يتقي به صاحبه عن الرفث إِلى غيره ، واما الرفث اليه فلا لانه لباسه المتصل بنفسه المباشر له .
قوله تعالى : علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم ، الاختيان والخيانة بمعنى ، وفيه معنى النقص على ما قيل ، وفي قوله : انكم تختانون ، دلالة على معنى الاستمرار ، فتدل الآية على ان هذه الخيانة كانت دائرة مستمرة بين المسلمين منذ شرع حكم الصيام فكانوا يعصون الله تعالى سراً بالخيانة لأنفسهم ، ولو لم تكن هذه الخيانة منهم معصية لم ينزل التوبة والعفو ، وهما وان لم يكونا صريحين في سبق المعصية لكنهما ، وخاصة اذا اجتمعا ، ظاهر ان في ذلك .
وعلى هذا فالآية دالة على ان حكم الصيام كان قبل نزول الآية حرمة الجماع في ليلة الصيام ، والآية بنزولها شرعت الحلية ونسخت الحرمة كما ذكره جمع من المفسرين ، ويشعر به أو يدل عليه قوله : أُحل لكم ، وقوله : كنتم تختانون ، وقوله : فتاب عليكم وعفا عنكم ، وقوله : فالآن باشروهن ، إذ لو لا حرمة سابقة كان حق الكلام ان يقال : فلا جناح عليكم ان تباشروهن أو ما يؤدي هذا المعنى ، وهو ظاهر .
وربما يقال : ان الآية ليست بناسخة لعدم
وجود حكم تحريمي في آيات الصوم بالنسبة الى الجماع أو إلى الاكل والشرب ، بل الظاهر كما يشعر به بعض الروايات
المروية من طرق اهل السنة والجماعة ، ان المسلمين لما نزل حكم فرض الصوم وسمعوا قوله تعالى : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم الآية ، فهموا منه التساوي
في الاحكام من جميع الجهات ، وقد كانت النصارى كما قيل : إِنما ينكحون ويأكلون ويشربون في اول الليل ثم يمسكون بعد ذلك فأخذ بذلك المسلمون ، غير ان ذلك صعب عليهم ، فكان الشبان منهم لا يكفون عن النكاح سراً مع كونهم يرونه معصية وخيانة لأنفسهم ، والشيوخ ربما اجهدهم الكف عن الاكل والشرب بعد النوم ، وربما اخذ بعضهم النوم فحرم عليه الاكل والشرب بزعمه فنزلت الآية فبينت ان النكاح والاكل والشرب غير محرمة عليهم بالليل في شهر رمضان ، وظهر بذلك : ان مراد الآية
بالتشبيه في قوله تعالى : كما كتب على الذين من قبلكم ، التشبيه في اصل فرض الصوم لا في