خصوصياته ، واما قوله تعالى : أُحل لكم ، فلا يدل على سبق حكم تحريمي بل على مجرد تحقق الحلية كما في قوله تعالى : « أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ » المائدة ـ ٩٦ ، اذ من المعلوم ان صيد البحر لم يكن محرماً على المحرمين قبل نزول الآية ، وكذا قوله تعالى « عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ » ، انما يعني به انهم كانوا يخونون بحسب زعمهم وحسبانهم ذلك خيانة ومعصية ، ولذا قال : تختانون انفسكم ولم يقل : تختانون الله كما قال : « لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ » الأنفال ـ ٢٧ ، مع احتمال ان يراد بالاختيان النقص ، والمعنى علم الله انكم كنتم تنقصون انفسكم حظوظها من المشتهيات من نكاح وغيره ، وكذا قوله تعالى : فتاب عليكم وعفا عنكم ، غير صريح في كون النكاح معصية محرمة هذا .
وفيه ما عرفت : ان ذلك خلاف ظاهر الآية فإِن قوله تعالى : أُحل لكم ، وقوله : كنتم تختانون انفسكم ، وقوله : فتاب عليكم وعفا عنكم ، وان لم تكن صريحة في النسخ غير ان لها كمال الظهور في ذلك ، مضافاً الى قوله تعالى : فالآن باشروهن « الخ » ، اذ لو لم يكن هناك الا جواز مستمر قبل نزول الآية وبعدها لم يكن لهذا التعبير وجه ظاهر ، واما عدم اشتمال آيات الصوم السابقة على هذه الآية على حكم التحريم فلا ينافي كون الآية ناسخة فانها لم تبين سائر احكام الصوم ايضاً مثل حرمة النكاح والاكل والشرب في نهار الصيام ، ومن المعلوم ان رسول الله كان قد بينه للمسلمين قبل نزول هذه الآية فلعله كان قد بين هذا الحكم فيما بينه من الاحكام ، والآية تنسخ ما بينه الرسول وان لم تشتمل كلامه تعالى على ذلك .
فان قلت : قوله تعالى : هن لباس لكم وانتم لباس لهن ، يدل على سبب تشريع جواز الرفث فلا بد ان لا يعم الناسخ والمنسوخ لبشاعة ان يعلل النسخ بما يعم الناسخ والمنسوخ معاً وان قلنا : ان هذه التعليلات الواقعة في موارد الاحكام حكم ومصالح لا علل ، ولا يلزم في الحكمة ان تكون جامعة ومانعة كالعلل فلو كان الرفث محرماً قبل نزول الآية ثم نسخ بالآية المحللة لم يصلح تعليل نسخ التحريم بأن الرجال لباس للنساء وهن لباس لهم .
قلت
: اولاً انه منقوض بتقييد قوله : أُحل لكم
بقوله : ليلة الصيام مع ان