إِليه الانسان بفطرته كما سيجيء .
وربما يقال : إن المراد بالذين من قبلكم اليهود والنصارى أو السابقين من الانبياء استناداً إلى روايات لا تخلو عن ضعف .
قوله تعالى : لعلكم تتقون ، كان أهل الاوثان يصومون لإِرضاء آلهتهم أو لإِطفاء نائرة غضبها إذا أجرموا جرماً أو عصوا معصية ، وإذا أرادوا إنجاح حاجة وهذا يجعل الصيام معاملة ومبادلة يعطي بها حاجة الرب ليقضي حاجة العبد أو يستحصل رضاه ليستحصل رضا العبد ، وإِن الله سبحانه أمنع جانباً من أن يتصور في حقه فقر أو حاجة أو تأثر أو أذىً ، وبالجملة هو سبحانه بريء من كل نقص ، فما تعطيه العبادات من الاثر الجميل ، أي عبادة كانت وأي أثر كان ، إنما يرجع إِلى العبد دون الرب تعالى وتقدس ، كما ان المعاصي أيضاً كذلك ، قال تعالى : « إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وإِن أَسَأْتُمْ فَلَهَا » الإسراء ـ ٧ ، هذا هو الذي يشير اليه القرآن الكريم في تعليمه بإرجاع آثار الطاعات والمعاصي الى الانسان الذي لا شأن له إِلا الفقر والحاجة ، قال تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ » الفاطر ـ ١٥ ويشير اليه في خصوص الصيام بقوله : لعلكم تتقون ، وكون التقوي مرجو الحصول بالصيام مما لا ريب فيه فإِن كل إنسان يشعر بفطرته أن من أراد الاتصال بعالم الطهارة والرفعة ، والارتقاء إلى مدرجة الكمال والروحانية فأول ما يلزمه أن يتنزه عن الاسترسال في استيفاء لذائذ الجسم وينقبض عن الجماح في شهوات البدن ويتقدس عن الاخلاد إِلى الارض ، وبالجملة أن يتقي ما يبعده الاشتغال به عن الرب تبارك وتعالى فهذه تقوى إِنما تحصل بالصوم والكف عن الشهوات ، وأقرب من ذلك وأمس لحال عموم الناس من أهل الدنيا وأهل الآخرة ان يتقي ما يعم به البلوى من المشتهيات المباحة كالأكل والشرب والمباشرة حتى يحصل له التدرب على اتقاء المحرمات واجتنابها ، وتتربى على ذلك إِرادته في الكف عن المعاصي والتقرب إِلى الله سبحانه ، فإن من أجاب داعي الله في المشتهيات المباحة وسمع وأطاع فهو في محارم الله ومعاصيه أسمع وأطوع .
قوله
تعالى : أياماً معدودات ، منصوب على الظرفية
بتقدير ، في ومتعلق