بقوله : الصيام ، وقد مر أن تنكير أيام واتصافه بالعدد للدلالة على تحقير التكليف من حيث الكلفة والمشقة تشجيعاً للمكلف ، وقد مر ان قوله : شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن « الخ » بيان للأيام فالمراد بالأيام المعدودات شهر رمضان .
وقد ذكر بعض المفسرين : أن المراد بالايام المعدودات ثلاث أيام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء ، وقال بعضهم : والثلاث الايام هي الايام البيض من كل شهر وصوم يوم عاشوراء فقد كان رسول الله والمسلمون يصومونها ، ثم نزل قوله تعالى : شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن الخ ، فنسخ ذلك واستقر الفرض على صوم شهر رمضان ، واستندوا في ذلك إلى روايات كثيرة من طرق أهل السّنّة والجماعة لا تخلو في نفسها عن اختلاف وتعارض .
والذي يظهر به بطلان هذا القول أولاً : ان الصيام كما قيل : عبادة عامة شاملة ، ولو كان الامر كما يقولون لضبطه التاريخ ولم يختلف في ثبوته ثم في نسخه أحد وليس كذلك ، على أن لحوق يوم عاشوراء بالأيام الثلاث من كل شهر في وجوب الصوم أو استحبابه ككونه عيداً من الاعياد الإسلامية مما ابتدعه بنو أُمية لعنهم الله حيث أبادوا فيه ذرية رسول الله وأهل بيته بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ونهب أموالهم في وقعة الطفّ ثم تبرّكوا باليوم فاتخذوه عيداً وشرعوا صومه تبركاً به ووضعوا له فضائل وبركات ، ودسوا أحاديث تدل على أنه كان عيداً إسلامياً بل من الأعياد العامة التي كانت تعرفه عرب الجاهلية واليهود والنصارى منذ بعث موسى وعيسى ، وكل ذلك لم يكن ، وليس اليوم ذا شأن مليّ حتى يصير عيداً ملياً قومياً مثل النيروز أو المهرجان عند الفرس ، ولا وقعت فيه واقعة فتح أو ظفر حتى يصير يوماً إسلامياً كيوم المبعث ويوم مولد النبي ، ولا هو ذو جهة دينية حتى يصير عيداً دينياً كمثل عيد الفطر وعيد الاضحى فما باله عزيزاً بلا سبب ؟ .
وثانياً
: ان الآية الثالثة من الآيات أعني قوله
: شهر رمضان الخ ، تأبى بسياقها ان تكون نازلة وحدها وناسخاً لما قبلها فإِن ظاهر السياق أن قوله شهر رمضان خبر لمبتدء محذوف أو مبتدءٌ لخبر محذوف كما مرّ ذكره فيكون بياناً للأيام
المعدودات