تعالى : فاذكروا الله كذكركم آبائكم ، والناس مطلق ، فالمراد به أفراد الانسان أعم من الكافر الذي لا يذكر إِلا آبائه أي لا يبتغي إِلا المفاخر الدنيوية ولا يطلب إِلا الدنيا ولا شغل له بالآخرة ، ومن المؤمن الذي لا يريد إِلا ما عند الله سبحانه ، ولو أراد من الدنيا شيئاً لم يرد إِلا ما يرتضيه له ربه ، وعلى هذا فالمراد بالقول والدعاء ما هو سؤال بلسان الحال دون المقال ، ويكون معنى الآية أن من الناس من لا يريد إِلا الدنيا ولا نصيب له في الآخرة ومنهم من لا يريد إِلا ما يرتضيه له ربه سواء في الدنيا أو في الآخرة ولهؤلاء نصيب في الآخرة .
ومن هنا يظهر : وجه ذكر الحسنة في قول أهل الآخرة دون أهل الدنيا ، وذلك أن من يريد الدنيا لا يقيده بأن يكون حسناً عند الله سبحانه بل الدنيا وما هو يتمتع به في الحياة الارضية كلها حسنة عنده موافقة لهوى نفسه ، وهذا بخلاف من يريد ما عند الله سبحانه فإِن ما في الدنيا وما في الآخرة ينقسم عنده إِلى حسنة وسيئة ولا يريد ولا يسأل ربه إِلا الحسنة دون السيئة .
والمقابلة بين قوله : وما له في الآخرة من خلاق ، وقوله : أُولئك لهم نصيب مما كسبوا ، تعطي أن أعمال الطائفة الأولى باطلة حابطة بخلاف الثانية كما قال تعالى : « وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا » الفرقان ـ ٢٣ ، وقال تعالى : « وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا » الاحقاف ـ ٢٠ ، وقال تعالى : « فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا » الكهف ـ ١٠٥ .
قوله تعالى : والله سريع الحساب ، إِسم من أسماء الله الحسنى ، وإِطلاقه يدل على شموله للدنيا والآخرة معاً ، فالحساب جار ، كلما عمل عبد شيئاً من الحسنات أو غيرها آتاه الله الجزاء جزاءً وفاقاً .
فالمحصل من معنى قوله : فمن الناس من
يقول إِلى آخر الآيات ، أن اذكروا الله تعالى فإِن الناس على طائفتين : منهم من يريد الدنيا فلا يذكر غيرها ولا نصيب له
في الآخرة ، ومنهم من يريد ما عند الله مما يرتضيه له وله نصيب من الآخرة والله سريع الحساب يسرع في حساب ما يريده عبده فعطيه كما يريد ، فكونوا من أهل النصيب
( ٢ ـ الميزان ـ ٦ )