وتقتاتون القِدّ ، أذلّة خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالىٰ بمحمّد صلىاللهعليهوآله ، بعد اللتيّا والتي ، وبعد أن مُني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان ، أو فغر فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتىٰ يطأ جناحها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيداً في أولياء الله ، مشمّراً ناصحاً مجدّاً كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأنتم علىٰ رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربّصون بنا الدوائر ، وتتوكّفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرّون من القتال.
فلمّا اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوىٰ أصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزّة فيه ملاحظين ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحشمكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يقبر ... ».
وتعرّضت عليهاالسلام في هذه الخطبة للدفاع عن حقّها في إرث النبي صلىاللهعليهوآله قائلة : « وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي من أبي ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١) ؟! أفلا تعلمون ؟ بلىٰ قد تجلّى لكم
_____________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٠.