اليد عن أصل الحكم رأسا في مادّة الاجتماع ، بينما رفع اليد عن البدلي وتقديم الشمولي عليه لا يقتضي إلا تقييد الحكم بغير مورد الاجتماع.
ويمكننا أن نبيّن ذلك بنحو آخر فنقول : إنّ الإطلاقين أو العمومين الشمولي والبدلي وإن كانا متساويين بلحاظ نفس الإطلاق والعموم لأنّه واحد فيهما ، إذ قرينة الحكمة واحدة سواء في الشموليّة أو البدليّة ، وهكذا أدوات العموم فإنّها واحدة بلحاظ مدلولها التصوّري الوضعي على ذلك ، إلا أنّه مع ذلك يتقدّم الشمولي على البدلي فيهما ؛ لأنّه أقوى ظهورا منه ومخالفته تعتبر مخالفة شديدة من الآخر.
والوجه في ذلك : هو أنّ الإطلاق الشمولي يتكفّل لبيان أحكام متعدّدة بعدد الأفراد بحيث يكون لكلّ فرد حكم مجعول عليه شرعا ، فقولنا : ( لا تكرم الفاسق ، أو لا تكرم كلّ فاسق ) مفادهما أنّ كلّ فرد فرد من أفراد الفاسق يحرم إكرامه ، فلكلّ فرد حرمة خاصّة ومستقلّة عنها في الفرد الآخر.
بينما الإطلاق البدلي لا يتكفل إلا لبيان حكم واحد فقط منصبّ على الطبيعة ؛ لأنّ قولنا : ( أكرم عالما ) أو ( أكرم أي عالم ) مفاده ثبوت وجوب واحد على الطبيعة. نعم ، هذا الحكم الواحد وسيع الدائرة ؛ لأنّ أيّ فرد من أفراد العالم يكون محقّقا لهذه الطبيعة في الخارج.
وحينئذ نقول : إنّ العرف يرى ـ بحسب مرتكزاته العقلائيّة في مقام المحاورات والظهورات وأساليب الكلام ـ أنّ الاهتمام ببيان أصل الحكم أقوى وأشدّ من بيان حدود سعة أو ضيق دائرة الحكم ، ولذلك يكون فرض التخلّف عن بيان أصل الحكم أشدّ مئونة وأقوى من التخلّف عن بيان حدود سعة أو ضيق دائرة هذا الحكم ، وحين التعارض بين هذين الأمرين يرى أنّ رفع اليد عن أصل الحكم أشدّ مخالفة من رفع اليد عن سعة دائرة الحكم فيعيّن الثاني.
وفي مقامنا نقول : إنّ مورد الاجتماع بين الشمولي والبدلي هو العالم الفاسق ، فالإطلاق الشمولي يثبت حرمة إكرامه لما فيه من جعولات عديدة بعدد الأفراد بحيث تكون الحرمة مجعولة فيه شرعا ، بينما الإطلاق البدلي يثبت وجوب إكرامه على أساس السعة الموجودة فيه لا على أساس ثبوت حكم مجعول فيه شرعا ؛ لأنّ الحكم منصبّ على الطبيعة ولكنّها بحدودها واسعة لكلّ فرد بحيث يجوز تطبيقها على هذا الفرد أو ذاك.