ورواية أيّوب بن الحرّ قال : « سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف » (١).
وهاتان الروايتان صحيحتا السند ومضمونهما واضح وهو الاستنكار والاستهجان من صدور الخبر المخالف للكتاب وأنّه زخرف ، أي ليس بحقّ وأنّه شيء يشبهه بظاهره ، والمخالفة للكتاب هي عدم الموافقة له كما هو مضمون الروايتين ، وهذا معناه أنّ الخبر المخالف للكتاب هو الذي لا يوافقه لا أنّه يخالفه صراحة.
ولسان الاستنكار هذا يدلّ على عدم صدور الخبر المخالف ، وهذا معناه نفي الحجّيّة عنه ؛ لأنّ نفي صدوره عنهم وإن كان ينفي الموضوع إلا أنّ المقصود به هو نفي الحكم والمحمول أي الحجّيّة ، فإنّ أحد ألسنة نفي الحكم هو نفي الموضوع ، وحينئذ يتقيّد دليل الحجّيّة الدالّ على التعبّد بالسند بما إذا لم يكن الخبر مخالفا للكتاب ، هذا على فرض ثبوت الإطلاق في دليل حجّيّة السند للخبر المعارض للدليل القطعي كالكتاب ، وهو يتمّ فيما إذا كان دليل الحجّيّة لفظيّا دون ما إذا كان لبّيّا ، وحينئذ يلتزم بتخصيص أو بتقييد دليل الحجّيّة.
وهذه المجموعة من الروايات تنظر إلى القسم الأوّل المتعلّق بحالات التعارض بين الدليل القطعي السند والدليل الظنّي السند.
وقد يستشكل في ذلك :
تارة بأنّ الروايات المذكورة لا تنفي الحجّيّة وليست ناظرة إليها ، وإنّما تنفي صدور الكلام المخالف ، فلا تعارض دليل حجّيّة السند لتقيّده ، وإنّما تعارض نفس الروايات الدالّة على صدور الكلام المخالف.
وأخرى بأنّ موضوع هذه الرواية غير الموافق لا المخالف ، ولازم ذلك عدم العمل بالروايات التي لا تعرّض في القرآن الكريم لمضمونها.
وثالثة بأنّ صدور الكلام المخالف من الأئمّة معلوم وجدانا ، كما في موارد التخصيص والتقييد ، وهذا يكشف عن لزوم تأويل تلك الروايات ولو بحملها على المخالفة في أصول الدين.
وقد استشكل على هذه المجموعة من الروايات بإشكالات ثلاثة :
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١١٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٤.