وليس مفادها إلغاء الحجّيّة عن الخبر المخالف رأسا المساوق لإثبات عدم الصدور ، إذ لا يوجد في لسانها ما يدلّ على ذلك ، كما كان في المجموعة الأولى التي تثبت عدم الصدور للخبر المخالف ؛ لأنّه زخرف وباطل.
وهذا يعني أنّ الخبر المخالف للكتاب قد يصدر عنهم ولكنّه في حال المعارضة مع الكتاب لا يكون حجّة.
الثانية : أنّ مخالفة الكتاب ليست مأخوذة على نحو الموضوعيّة ، بل هي مأخوذة على نحو الطريقيّة ، بمعنى أنّ المخالفة للكتاب قد أخذت كعنوان مشير إلى العنوان الواقعي وهو مخالفة الدليل القطعي سواء كان كتابا أو سنّة متواترة أو ما شابههما من الأدلّة القطعيّة ، فكلّ خبر ظنّيّ السند يخالف دليلا قطعيّا سواء كان كتابا أو غيره لا يكون حجّة.
والوجه في تعميم المخالفة للكتاب ولغيره : هو أنّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي ذلك ؛ لأنّ مخالفة الكتاب التي جعلت ملاكا لسلب الحجّيّة عن الخبر ليست هي مخالفة الكتاب بما هو معجزة ؛ لأنّ الكتاب بما هو معجزة يكون موجبا للاحترام والقداسة ونحو ذلك ، وليست هي مخالفة الكتاب بما هو قطعي الجهة ؛ لأنّ احتمال التقية نشأ متأخّرا وليس في صدر التشريع ، فيتعيّن كون مخالفة الكتاب بما هو دليل قطعي السند ، ولذلك تقوم السنّة القطعيّة مقامه أيضا لاشتراكها معه في ذلك ، بل في بعض الروايات عطف السنّة على الكتاب كما في رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة في المجموعة الثانية.
الثالثة : أنّ مخالفة الكتاب هنا لم ترد في سياق الاستنكار والتحاشي والاستهجان كما كان ذلك في المجموعة الأولى ، وهذا معناه أنّ المخالفة للكتاب هنا ليست مختصّة بما إذا كان الخبر المخالف موجبا لإلغاء الدلالة القرآنيّة رأسا فيما لو أخذ به ، وإنّما وردت المخالفة هنا في سياق « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » (١) ، ممّا يعني أنّها بصدد بيان أنّ المخالفة للكتاب في الخبر مظنّة للوقوع في الهلكة ؛ لأنّ الأخذ بالخبر المخالف للكتاب يكون اقتحاما للهلكة ، ولذلك فالوقوف عنده وعدم الأخذ به يكون خيرا.
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٠ / ٩ ، باب النوادر من باب لزوم الحجة على العالم ... تهذيب الأحكام ٧ :
٤٧٤ / ١١٢.