وهذا معناه انقلاب النسبة ؛ لأنّه قبل ملاحظة الدليل الخاصّ كانت النسبة بين الدليلين هي التباين ، ولكن بعد ملاحظة الخاصّ وتخصيص العامّ الأوّل به صار العامّ الأوّل أخصّ من العامّ الثاني ، فصارت النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق.
والحاصل : أنّ انقلاب النسبة موقوف على ملاحظة النسبة بين الدليلين بلحاظ مرحلة الحجّيّة ، بينما القول بعدم انقلاب النسبة موقوف على ملاحظة النسبة بين الدليلين في مرحلة الدلالة والإفادة والظهور فقط.
ومن هنا وجد اتّجاهان وقولان في هذه المسألة ونظائرهما :
وقد ذهب المحقّق النائيني (١) إلى الأخذ بالنظرة الثانية ، وسمّى ذلك بانقلاب النسبة ، بينما أخذ صاحب ( الكفاية ) (٢) بالنظرة الأولى.
واستدلّ الأوّل على انقلاب النسبة : بأنّا حينما نعارض العامّ الثاني بالعامّ الأوّل يجب أن ندخل في المعارضة غير ما فرغنا عن سقوط حجّيّته من دلالة ذلك العامّ ؛ لأنّ ما سقطت حجّيّته لا معنى لأن يكون معارضا.
انتهينا إلى أنّه يوجد اتّجاهان في المسألة :
الأوّل : ما ذهب إليه الميرزا ومدرسته من القول بانقلاب النسبة بمعنى ملاحظة النسبة في مرحلة الحجّيّة.
والثاني : ما ذهب إليه صاحب ( الكفاية ) والمشهور من إنكار انقلاب النسبة بمعنى ملاحظة النسبة في مرحلة الدلالة والظهور.
واستدلّ المحقّق النائيني على القول بانقلاب النسبة بما حاصله : أنّ ملاحظة النسبة إنّما هو لأجل تشخيص موضوع المعارضة بين الدليلين أو عدم وقوعها ، والتعارض بين الدليلين إنّما يكون بلحاظ ما يكشف ويحكي عنه كلّ منهما بحسب المراد الواقعي ، وحينئذ فالعامّ الذي له مخصّص لا يحكي إلا عن المقدار الذي بقي تحته لا عن العموم والشمول وإلا لكان الخاصّ لغوا.
وهذا معناه أنّ ما يكون طرفا للنسبة هو ما بقي تحت العامّ الذي يكون العامّ حجّة فيه.
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٧٤٧.
(٢) كفاية الأصول : ٥١٥.