فالفرق بينه وبين الحكم الواقعي : أنه قد اعتبر في موضوعه وصف الجهل بالحكم الواقعي أو بموضوعه الموجب للجهل به بالأخرة ، بخلاف الحكم الواقعي ، فإنه إنما علق على موضوع غير ملحوظ فيه شيء من وصفي العلم والجهل ، بل يمتنع ذلك فيما إذا لوحظ العلم والجهل بالنسبة إلى نفس الحكم ، لاستلزامه الدور ، كما لا يخفى.
لكن مجرد هذا الفرق لا يصلح فارقا مع فرض اتحاد متعلقي الحكمين المتضادين ، فإن الجهل الّذي هو مأخوذ في موضوع الحكم الظاهري إذا عرض في مورد فلا يعقل أن يصير ذلك المورد شيئين يكون أحدهما موضوعا للحكم الواقعي ، والآخر موضوعا للظاهري ، بل الشيء الّذي له حكم من الأحكام الواقعية باق على وحدته مع الجهل ، فإن الخمر المشكوك خمريتها أو حرمتها ـ مثلا ـ التي حكمها الإباحة في مرحلة الظاهر هي بعينها الخمر التي قد أخذت موضوعا للنهي الواقعي ، فهي في جميع عوالمها وحالاتها (١) هي بعينها من غير اختلاف فيها بما يوجب خروجها عن موضوع النهي ، والمفروض دوران النهي الواقعي مدارها نفيا وإثباتا ، فإذا كان المفروض كون المائع المشكوك كونه خمرا خمرا في الواقع ، فيكون النهي عنه ثابتا حال الشك ، وهو ينافي ثبوت الرخصة في شربه في تلك الحال ، فكيف بوجوب شربه؟! كما قد يقتضي الأصل ذلك.
فبالجملة : منشأ التنافي إنما هو اتحاد متعلقي الحكمين المتضادين ، فلا فرق بين كون الحكمين واقعيين ، أو ظاهريين ، أو مختلفين ، فالملتزم بجواز الاجتماع في المقام لا بد له أن يلتزم به في مسألة اجتماع الأمر والنهي ـ أيضا ـ ولو [ كان ]
__________________
(١) بمعنى أن تلك الحالات ليس شيء منها مشخصا لها حتى تكون هي بالنسبة إلى كل واحد منها من قبيل المطلق والمقيد ، بل هي بالنسبة إليها مثل ( زيد ) بالنسبة إلى أحواله من القيام والقعود ونحوهما. لمحرره عفا الله عنه.