حيث إنها على تقدير اعتبارها ولزوم الأخذ بها ترفع التعارض المتحقق بين الخبرين الظاهرين من حيث الصدور ، فيخرجهما عن مورد الكلام في المسألة المذكورة ، فيختص مورد المسألة بالنصين من الخبرين المتعارضين ، حيث إن شيئا منهما غير قابل للتأويل في دلالته ، وعلى تقدير عدم اعتبارها فلا ، بل يدخل موردها في المسألة المذكورة.
قوله ـ قدس سره ـ : ( ولا ريب أن التعبد بصدور أحدهما ـ المعين إذا كان هناك مرجح ، والمخير إذا لم يكن ـ ثابت على تقدير الجمع وعدمه ). (١).
هذا بالنظر إلى الإجماع والأخبار العلاجية ، حيث إنها بمجموعها تفيد عدم سقوط المتعارضين كليهما عن الحجية في مؤداهما وكونهما كأن لم يكونا بالنسبة إلى مؤداها ، وإلا فمقتضى الأصل ـ كما ستعرف بناء على اعتبار الأخبار من باب الطريقية كما هو المختار ـ إنما هو سقوط المتعارضين منها عن الحجية ، وعدم كون شيء منهما حجة فعلا في مؤداه.
ثم إن حاصل مراده ـ قدس سره ـ : أنه لا مناص عن الأخذ بأحد الخبرين المتعارضين ، لما مرت الإشارة إليه ، ومن المعلوم أن الّذي وجب الأخذ به منهما لا يعقل أن يزاحم سنده سند الآخر ، بل التزاحم إنما يقع بين ظاهر ذلك المتيقن الأخذ به وبين السند الآخر ، لدوران الأمر حينئذ بين التصرف في ظاهره والأخذ بسند الآخر ودلالته وبين طرح سند الآخر ، وظاهر الآخر لا يزاحم ظاهره ، لعدم صلاحيته لذلك ، فإن أدلة اعتبار الظواهر إنما تقتضي اعتبار الظواهر بعد الفراغ عن سندها ، والمفروض عدم إحرازه بعد (٢) في المقام ، فلا
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧٥٤.
(٢) ( بعد ) هنا بمعنى ( إلى الآن ).