آخر (١) غير الظاهر ـ كما هو المفروض ـ كالنص في عدم قابليته للتأويل عرفا وكونه قرينة على صرف الظاهر ، ومثل ذلك لا يحصل لواحد من الظاهرين على تقدير صدورهما من متكلم واحد واقترانهما ، إذ لا يصلح واحد منهما لكونه متصرفا في ظاهر الآخر ولو كان التصرف في أحدهما خاصة كافيا في رفع التعارض عما بينهما مع كون النسبة بينهما هي العموم من وجه أيضا ، إذ لا شبهة في أنهما إذا كانا عامين من وجه ـ أيضا ـ على تقدير صدورهما واقترانهما يحصل التحير للعرف في فهم المراد منهما ، ولا أولوية عندهم لأحدهما في كونه بيانا للآخر ولا يحكمون ـ أيضا ـ بكون ظهور كل منهما صارفا لظهور الآخر ، ليكون كل منهما في نظرهم من المجملات ، بل ظهور كل منهما في تمام مؤداه متحقق عندهم ، إلا أنهم يتحيرون لأجل تنافي الظهورين في أن مؤدى أيهما هو مراد المتكلم ، فالحاصل عندهم من صدورهما واقترانهما إنما هو الدوران بين إرادة مؤدى هذا الظهور وبين إرادة مؤدى ذاك ، لا إجمال كل منهما في مؤداه ، والدوران المذكور ليس من الآثار المجعولة منهم أيضا ، بل إنما هو من الآثار العقلية الناشئة عن اجتماعهما لكونهما متنافيين (٢).
فمقتضى دليل صدور النص والأظهر ترتيب حكم صدورهما وهو كونهما متصرفين في الظاهر وصارفين له عليهما مع الشك في صدورهما من غير عكس ،
__________________
(١) إذ الكلام في المتعارضين انما هو بالنظر إلى أنفسهما مع قطع النّظر عن بيان آخر لمحرره عفا الله عنه.
(٢) وقد ظهر من ذلك الفرق بين المقام وبين المجملات فإن المجمل ما ليس له ظهور ، إما بداية ـ وهو المعبر عنه بالمجمل الذاتي ـ وإما لاكتنافه بما أوجب صرفه عن ظهوره الّذي كان له بدوا ـ وهو المعبر عنه بالمجمل العرضي ـ والظاهر أنه من المتعارضين مطلقا المفروض كون كل منهما في حد ذاته ظاهرا في مؤداه وقد تحقق أيضا عدم صلاحية واحد منهما على صرف الآخر أيضا فلا يكونان من المجملات مطلقا لعدم الإجمال في شيء منهما لا ذاتا ولا عرضا.
وبعبارة أخرى : المجمل هو الكلام الّذي يشك في المراد منه بعد الفراغ عن إرادة معنى منه لعدم ظهوره في تعيين المراد إما ذاتا أو عرضا ولا شيء من الظاهرين المتعارضين كذلك فإن الشك فيهما في أن ظهور أيهما مراد للمتكلم بعد الفراغ عن ظهور كل منهما. لمحرره عفا الله عنه.