قلنا : كونهما قرينتين في الظاهر ومتصرفين فيه من أحكام المحاورة (١) وهي وان لم يكن أصل جعلها من الشارع ، بل من العرف من زمان آدم عليه السلام منذ بنوا على كشف مقاصدهم بالمحاورة ، لكن بعد جعلها منهم قد اتخذها كل متكلم في أي زمان بعدهم أحكاما لنفسه في محاوراته وأتبعهم فيها من غير أن يحدث في محاوراته أحكاما أخر وراء تلك الأحكام ، فإذا كان هو الشارع ـ كما هو المفروض ـ فهي من أحكامه التي التزم بها في محاوراته المترتبة على كلامه الصادر منه ، فيكون مقتضى دليل صدور ما شك في صدوره عنه ترتيب تلك الأحكام أيضا.
إن قيل هب إن ذلك من الأحكام الشرعية المترتبة على صدور النص والأظهر لكن دليل صدورهما لا يقتضي إلا التعبد بالاحكام الشرعية التي يكشفان عنها وأما الأحكام الشرعية التي أخذ نفس الصادر موضوعا لها لا طريقا إليها فلا ، ومن المعلوم أن النص والأظهر أنفسهما موضوعان لذلك الحكم ، أعني كونهما متصرفين في الظاهر وليسا طريقين إليه ، لعدم كشفهما عنه كشف الطريق عن مؤداه.
قلنا : الظاهر ، بل المعلوم إفادة أدلة اعتبار خبر الواحد التعبد بجميع الأحكام المترتبة على صدوره واقعا ، سواء كانت هي مما يكون ذات الخبر موضوعا لها أو مما يكون هو طريقا إليها ، ويكشف عن ذلك وجوب ترتيب أحكام الإعراب والبناء على الأدعية المحكية عن أهل العصمة عليهم السلام بطريق الآحاد مع أنها من أحكام ذوات تلك الأدعية على تقدير صدورها ، فإن ذلك لا يكون بمقتضي دليل خاص ، بل حكموا به بمقتضى دليل التعبد بصدورها ،
__________________
(١) وهذا نظير أحكام الإعراب والبناء في الألفاظ العربية المجعولة من واضعها فاتخذها غيره أيضا أحكاما لنفسه في محاوراته حتى الشارع. لمحرره عفا الله عنه.