والحاصل : أنّه قبل حصول (١) العلم الإجمالي في الصور الثلاث المذكورة لم يكن تكليف بحرام مردّد بين الأطراف ، حتى يكون منجّزا للأطراف على المكلّف لتوقّف امتثاله على الاجتناب عنها ، وبعد حصوله ـ والمفروض جريان الأصل في بعض الأطراف ، مع سلامته عن المعارض الموجب لجواز تناول مورده ـ فلا يقتضي أزيد من عدم جواز المخالفة القطعية ، وهي مرتفعة بالاجتناب عن الطرف المعلوم بالتفصيل ، أو الخارج عن مورد الابتلاء أو القائم على حرمته الطريق الشرعي (٢) ، فلم يزد هو على صورة فقده شيئا.
واما على الثاني فالحقّ فيه : التفصيل بين موارده الثلاثة المتقدمة : بلزوم الاجتناب عن غير التالف من الأطراف في الأول ، وبعدم لزوم الاجتناب عن غير المعلوم بالتفصيل في الثاني ، سواء علم كون المعلوم بالتفصيل عين ذلك المعلوم الإجمالي ، أو لا ، بل يحتمل كونه غيره.
وأما الثالث : فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
والوجه في لزوم الاجتناب عن غير التالف في الأول : أنّ المفروض ابتلاء المكلّف بجميع الأطراف قبل حصول العلم الإجمالي وبعده قبل تلف بعضها ، فيكون العلم الإجمالي منجّزا للتكليف المعلوم إجمالا على المكلّف ، فيجب عليه
__________________
كما في المورد الثاني ، أو حكميا كما في الثالث.
وأمّا المورد الأوّل فيقال : إنّ المعلوم الإجمالي مردّد فيه بين ما لا تعلّق له بالمكلّف أصلا وهو الطرف التالف ، إذ على تقدير كونه هو فلا يتوجّه التكليف بالاجتناب عنه إلى المكلّف ، وبين ما له تعلّق به ، وما يكون حاله ذلك فلم يعلم فعلا تعلّقه بالمكلّف وتوجّهه إليه ، فلا يكون منجّزا عليه ، حتّى يجب الاجتناب عن سائر أطراف مقدّمة لامتثاله. لمحرّره عفا الله عنه.
(١) في الأصل : أنّ قبل حصول.
(٢) وبالجملة : مدار وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة على وجود معلوم إجماليّ فعلا مردّد بين الأطراف مع تعارض الأصول فيها ، فإذا انتفى أحد الأمرين انتفى وجوب الاجتناب عنها من حيث كونها من أطراف إجمال المحرّم الواقعي. لمحرّره عفا الله عنه.