وكأنّ المحدّث المذكور نشأ تخيّله التفصيل من كلام المحقّق من قول المحقّق : ( الثانية : أن يتبيّن (١) أنه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الدلائل ) (٢) ، فتخيّل أنّ تلك المقدّمة لا تتم إلاّ فيما يعمّ البلوى به ، مع غفلته عن تعليل المحقّق ـ قدّس سرّه ـ ذلك بقوله : ( لأنه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، وهو تكليف بما لا يطاق ، فإنّ هذا التعليل صريح في أنّ مراده ليس نفي الحكم الواقعي ، بل الفعلي ، وهو المناط للتكليف ، وهو الّذي يتمّ فيه هذا التعليل ، إذ لا تكليف بنفس الواقع من حيث هو ، حتّى يلزم من عدم الدلالة عليه التكليف بما لا يطاق ، وهذا التعليل لا يختصّ جريانه بما يعمّ به البلوى ، بل يعمّ غيره أيضا ، فإنّ كلّ مورد ـ سواء كان مما يعمّ به البلوى أو لم يكن ـ إذا لم يكن على التكليف به دلالة واضحة لزم التكليف بما لا يطاق.
فظهر أنّ المحقّق لم يفصّل في اعتبار أصل البراءة بين ما تعمّ به البلوى وبين غيره ، بل قال بها مطلقا بالنسبة إلى الحكم الفعلي ، وأما الحكم الشأني فلا تجري فيه البراءة مطلقا ، لعدم العقاب عليه على تقدير ثبوته ، فما تخيّله المحدّث المذكور تحقيقا لكلام المحقّق ـ مع فساده في نفسه ، كما لا يخفى على المتأمّل ـ لا ربط له بمقالة المحقّق أصلا.
قوله ـ قدّس سرّه ـ : ( كما ذكره جماعة من الأصوليين ) (٣).
لا يذهب عليك : أنّ هذا لا ينافي ما اختاره ـ قدّس سرّه ـ من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية ، فإنّ ما اختاره هناك إنّما هو بالنظر
__________________
(١) في الفرائد وفي الفوائد المدنية ( أن يبيّن ) ، وفي المصدر : ( أن نبيّن ) ، وفي نسخة : ( أن يتبيّن ) ، وهي الصحيحة ظاهرا.
(٢) معارج الأصول : ٢١٢.
(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٥٩.