الليل ، وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الآخرة فأصعد فتح (١) الابريق إلى عندي فمددت يدي فلزمت عروته لافرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة ، فقلت : لعل الماء نجس فأراد الله أن يصوني عنه فإن لله عزوجل علي عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.
فناديت إلى فتح ، وقلت : من أين ملات الابريق؟ فقال : من المصبة (٢) فقلت : هذا لعله نجس فاقلبه واطهره (٣) واملاه من الشط فمضى وقلبه وأنا أسمع صوت الابريق وشطفه وملاه من الشط ، وجاء به فلزمت عروته وشرعت أقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه.
فعدت وصبرت ، ودعوت بدعوات ، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك ، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري : لعل الله يريد أن يجري علي حكما وابتلاء غدا ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.
فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي : يعني عبدالمحسن الذي جاء بالرسالة كأنه ينبغي أن تمشي بين يديه ، فاستيقظت ووقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه وإكرامه ، فتبت إلى الله جل جلاله ، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبدا [ فم ] الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل ، وفهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة.
فنزلت إلى الشيخ عبدالمحسن ، وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصتي
____________________
(١) فتح : اسم غلامه. منه رحمهالله.
(٢) في الاصل المطبوع : المسببة ، بالسين وهو تصحيف.
(٣) في نسخة الفاضل الهندي : « فاشطفه » وهو الاصح لغة ، وبقرينة ما يأتي ، منه رحمهالله. أقول : الشطف : الغسل ، وهي لغة سواد أهل العراق ، ليست بأصيلة.