جدي رسول الله صلى الله عليه ونله وقتل أبي عليهالسلام وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة ، وخالفتم السنة ، فيالها من فتنة صماء عمياء ، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ، ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق ، وسيرت رايات أهل الشقاق ، وتكالبت جيوش أهل المراق ، من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح ، والنور الوضاح ، والعلم الجحجاج ، والنور الذي لا يطفى ، والحق الذي لا يخفى.
أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ، ومن تكاثف الظلمة (١) فوالذي فلق الحبة ، وبرء النسمة ، وتردى بالعظمة ، لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة ، لا يكون فيها شوب نفاق ، ولا نية افتراق ، لاجاهدن بالسيف قدما قدما ، ولاضيقن من السيوف جوانبها (٢) ومن الرماح أطرافها ، ومن الخيل سنابكها ، فتكلموا رحمكم الله.
فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة ، إلا عشرون رجلا فانهم قاموا إلي فقالوا : يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا ، فها نحن بين يديك لامرن طائعون ، وعن رأيك صادرون ، فمرنا بما شئت! فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم.
فقلت : لي اسوة بجدي رسول الله حين عبدالله سرا ، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما أكمل الله له الاربعين صار في عدة واظهر أمر الله ، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.
ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت : اللهم إني قد دعوت وأنذرت ، وأمرت ونهيت ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين ، وعن نصرته قاعدين ، وعن طاعته مقصرين ولاعدائه ناصرين ، اللهم فأنزل عليهم رجزك ، وبأسك وعذابك ، الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت.
____________________
(١) في الاصل المطبوع « ومن تكانيف الظلمة » فتحرر.
(٢) كأن الضمير يرجع إلى دمشق الشام.