السيد ينام في حجرة وحده ، وكان لي حجرة بجنب حجرته ، وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار ، وكان يجتمع إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.
فاتفق أنه في بعض الليالي قعد على عادته ، والناس مجتمعون حوله ، فرأيته كأنه يكره الاجتماع ، ويحب الخلوة ، ويتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده ، فتفرق الناس ولم يبق غيري فأمرني بالخروج فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة ، فمنعني الرقاد ، فصبرت زمانا فخرجت متخفيا لاتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت من شق الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحد ، فدخلت الحجرة ، فعرفت من وضعها أنه ما نام في تلك الليلة.
فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره ، وأقفو أثره ، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة ، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا فدخلت الصحن الاخير الذي فيه السرداب ، فرأيته مفتح الابواب.
فنزلت من الدرج حافيا متخفيا متأنيا بحيث لا يسمع مني حس ولا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب ، كأن أحدا يتكلم مع الاخر ، ولم أميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها ، وكان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، فاذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك : يا سيد مرتضى ما تصنع؟ ولم خرجت من المنزل؟
فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب المسندة ، فعزمت على الرجوع قبل الجواب ثم قلت في نفسي كيف تخفى حالك على من عرفك من غير طريق الحواس فأجبته معتذرا نادما ، ونزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة ، ليس لغيره هناك أثر فعرفت أنه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الاكبر ، فرجعت حريا لكل ملامة ، غريقا في بحار الندامة إلى يوم القيامة.