فلما وصل إلي سلم علي فرددت عليهالسلام وطابت منه نفسي ، فقال : مالك؟ فأومأت إليه بضعفي ، فقال : عندك ثلاث بطيخات ، لم لا تأكل منها؟ فقلت : لا تستهزءني ودعني على حالي ، فقال لي : انظر إلى ورائك ، فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار ، فقال : سد جوعك بواحدة ، وخذ معك اثنتين ، وعليك بهذا الصراط المستقيم ، فامش عليه ، وكل نصف بطيخة أول النهار ، والنصف الآخر عند الزوال ، واحفظ بطيخة فانها تنفعك ، فاذا غربت الشمس ، تصل إلى خيمة سوداء ، يوصلك أهلها إلى القافلة ، وغاب عن بصري.
فقمت إلى تلك البطيخات ، فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة واللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها ، وأخذت معي الاثنتين ، ولزمت الطريق ، وجعلت أمشي حتى طلعت الشمس ، ومضى من طلوعها مقدار ساعة ، فكسرت واحدة منهما وأكلت نصفها وسرت إلى زوال الشمس ، فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق.
فلما الغروب بدت لي تلك الخيمة ، ورآني أهلها فبادروا إلي وأخذوني بعنف وشدة ، وذهبوا بي إلى الخيمة كأنهم زعموني جاسوسا ، وكنت لا أعرف التكلم إلا بلسان العرب ، ولا يعرفون لساني ، فأتوا بي إلى كبيرهم ، فقال لي بشدة وغضب : من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك فأفهمته بكل حيلة شرحا من حالي.
فقال : أيها السيد الكذاب لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف أو أكله السباع ، ثم إنك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره ومن هذا المكان إلى المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني وإلا قتلتك ، وشهر سيفه في وجهي.
فبداله البطيخ من تحت عبائي فقال : ما هذا؟ فقصصت عليه قصته ، فقال الحاضرون : ليس في هذا الصحراء بطيخ خصوصا هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبدا فرجعوا إلى أنفسهم ، وتكلموا فيما بينهم ، وكأنهم علموا صدق مقالتي ، وأن هذه معجزة من الامام عليه آلاف التحية والثناء والسلام (١) فأقبلوا علي وقبلوا
____________________
(١) ويأتي في ذيل الحكاية الثالثة والخمسين دفع ما ربما يتوهم في هذه الحكاية وأمثالها من عدم وجود شاهد فيها على كون المستغاث هو الحجة عليهالسلام ، منه رحمهالله.