المبرزين في المشهد الغروي ، وقد سألته عن اسمه غير مرة فما كشف عنه ، لكونه محل هتك الستر ، وإذاعة السر.
قال : ولما حضرت وقت صلاة المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده ، ومؤذن ومتطهر ، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناة خربة وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانئ بن عروة ، والدرج التي تنزل إليه ضيقة مخروبة ، لا تسع غير واحد.
فجئت إليه وأردت النزول ، فرأيت شخصا جليلا على هيئة الاعراب قاعدا عند الماء يتوضأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة ، وكنت مستعجلا لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلا فرأيته كالجبل لا يحركه شئ ، فقلت : وقد أقيمت الصلاة ما معناه لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ؟ أردت بذلك تعجيله فقال : لا ، قلت : ولم؟ قال : لانه الشيخ الدخني ، فما فهمت مراده ، فوقفت حتى أتم وضوءه ، فصعد وذهب ونزلت وتوضأت وصليت ، فلما قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملا قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه ، فذكرت للشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيرت حاله وألوانه ، وصار متفكرا مهموما فقال : قد أدركت الحجة عليهالسلام وما عرفته ، وقد أخبر عن شئ ما اطلع عليه إلا الله تعالى.
اعلم أني زرعت الدخنة (١) في هذه السنة في الرحبة وهي موضع في طرف الغربي من بحيرة الكوفة ، محل خوف وخطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه ، فلما قمت إلى الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة وأهمني أمره ، فصرت أتفكر فيه وفي آفاته.
هذا خلاصة ما سمعته منه رحمهالله قبل هذا التاريخ بأزيد من عشرين سنة وأستغفر الله من الزيادة والنقصان في بعض كلماته.
____________________
(١) الدخن بالضم حب الجاورس ، أو حب أصغر منه أملس جدا بارد يابس حابس للطبع.