قاصدا باب المسلم ولم يبق لنا من الحواس إلا البصر الخاسر ، واللب الطائر فلما صار بحذائنا من طرف القبلة ، سلم علينا.
قال رحمهالله : أما رفيقي فلم يبق له شعور أصلا ، ولم يتمكن من الرد وأما مأنا فاجتهدت كثيرا إلى أن رددت عليه في غاية الصعوبة والمشقة ، فلما دخل باب المسجد وغاب عنا تراجعت القلوب إلى الصدور ، فقلنا : من كان هذا ومن أين دخل؟ فمشينا نحو ذلك الرجل فرأيناه قد خرق ثوبه ويبكي بكاء الواله الحزين فسألناه عن حقيقة الحال ، فقال : واظبت هذا المسجد أربعين ليلة من ليالي الجمعة طلبا للتشرف بلقاء خليفة العصر ، وناموس الدهر عجل الله تعالى فرجه وهذه الليلة تمام الاربعين ولم أتزود من لقائه ظاهرا ، غير أني حيث رأيتموني كنت مشغولا بالدعاء فاذا به عليهالسلام واقفا على راسي فالتفت إليه عليهالسلام فقال : « جه ميكني » أو « جه ميخواني » اي ما تفعل؟ أو ما تقرء؟ والترديد من الفاضل المتقدم ، ولم أتمكن من الجواب من الجواب فمضى عني كما شاهدتموه ، فذهبنا إلى الباب فوجدناه على النحو الذي أغلقناه ، فرجعنا شاكرين متحسرين.
قلت : وهذا السيد كان عظيم الشأن ، جليل القدر ، وكان شيخنا الاستاذ العلامة الشيخ عبدالحسين الطهراني أعلى الله مقامه كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا قال : كان رحمهالله تقيا صالحا وشاعرا مجيدا وأديبا قارئا غريقا في بحار محبة أهل البيت عليهمالسلام وأكثر ذكره وفكره فيهم ولهم ، حتى أنا كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف ، فنسأله عن مسألة ادبية فيجيبنا ، ويستشهد في خلال كلامه بما أنشده هو وغيره في المراثي فتتغير حاله فيشرع في ذكر مصائبهم على أحسن ما ينبغي وينقلب مجلس الشعر والادب إلى مجلس المصيبة والكرب ، وله رحمهالله قصائد رائقة في المراثي دائرة على ألسن القراء منها القصيدة التي أولها :
مالي إذا ما الليل جنا |
|
أهفو لمن غنى وحنا |
وهي طويلة ، ومنها القصيدة التي أولها :
ألقيت لي الايام فضل قيادها |
|
فأردت غير مرامها ومرادها |
الخ.