وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعيه ، فأقبل يخب به جواده (١) حتى وقف على البيت الذي أنافيه ، وكان بيتا من شعر مرفوع الجوانب ، فسلم فرددناعليهالسلام ثم قال : يا مولانا يسميني باسمي بعثني من يسلم عليك ، وهم كنج محمد آغا وصفر آغا ، وكانا من قواد العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوار ، فانا قد طردنا عنزة عن الطريق ، ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانية على الجادة ، فقلت له : وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية؟ قال : نعم ، فأخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهارساعتان ونصف تقريبا فقلت : بخيلنا ، فقدمت إلينا ، فتعلق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال : يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوار وأقم الليلة حتى يتضح الامر ، فقلت له : لا بد من الركوب لادراك الزيارة المخصوصة.
فلما رأتنا الزوار قد ركبنا ، تبعوا أثرنا بين حاشر وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنه الاسد الخادر ، ونحن خلفه ، حتى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود ، ثم نزل وارتقينا على أعلى العرقوب فنظرنا ولم نر له عينا ولا أثرا ، فكأنما صعد في السماء أو نزل في الارض ولم نر قائدا ولا عسكرا.
فقلت لمن معي : أبقي شك في أنه صاحب الامر؟ فقالوا : لا والله ، وكنت وهو بين أيدينا اطيل النظر إليه كأني رأيته قبل ذلك ، لكنني لا اذكر أين رأيته فلما فارقناتذكرت أنه هو الشخص الذي زارني بالحلة ، وأخبرني بواقعة السليمانية.
وأما عشيرة عنزة ، فلم نر لهم اثرا في منازلهم ، ولم نر أحدا نساله عنهم سوى أنا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البر ، فوردناكربلا تخب بنا خيولنا
____________________
(١) الخبب : مراوحة الفرس بين يديه ورجليه اى قام على أحداهما مرة وعلى الاخرى مرة ، وقيل هو السرعة.