.................................................................................................
______________________________________________________
أنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟ قال : فقلت : إنا نقول ذلك ، قال : فإنه كذلك إن الله تعالى أخذ على العباد ميثاقهم وهم أظلة قبل الميلاد ، وهو قوله عز وجل « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ » (١) الآية قال : فمن أقر له يومئذ جاءت ألفته هيهنا ، ومن أنكره يومئذ جاء خلافه هيهنا.
وقال ابن الأثير في النهاية : فيه الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف « مجندة » أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة ، ومعناه الإخبار عن مبدء كون الأرواح وتقدمها على الأجساد أي أنها خلقت أول خلقها على قسمين ، من ائتلاف واختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت ، ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدء الخلق ، يقول : إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ويميل إليهم ، والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم ، انتهى.
وقال الخطابي : خلقت قبلها تلتقي فلما التبست بالأبدان تعارفت بالذكر الأول ، انتهى.
وأقول : استدل بهذا الحديث على أمرين « الأول » خلق الأرواح قبل الأبدان وقد اختلف المتكلمون والمحدثون من العامة والخاصة في ذلك فذهب أكثر المتكلمين إلى أن الأرواح بعد تمام خلقة البدن ، قال شارح المقاصد : النفوس الإنسانية سواء جعلناها مجردة أو مادية حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار ، وإنما الكلام في أن حدوثها قبل البدن لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ،
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٧٢.