وفي رواية أخرى وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينشر في الناس والكافر مشكور.
______________________________________________________
وقال الجزري في النهاية : فيه المؤمن مكفر أي مزرئا في نفسه وماله لتكفر خطاياه ، انتهى.
وهذا الوجه لا يحتمل في هذه الأخبار ، وكان المراد بالتعليل أن معروفه لما كان خالصا لله مقبولا عنده لا يرضى له بأن يثيبه في الدنيا فتكفر نعمته ليكمل ثوابه في الآخرة ، والكافر لما لم يكن مستحقا لثواب الآخرة يثاب في الدنيا كعمل الشيطان ، وقيل : هو مبني على أن المؤمن يخفى معروفه من الناس ولا يفعله رياء ولا سمعة فيصعد إلى الله ولا ينتشر في الناس ، والكافر يفعله علانية ورياء وسمعة فينتشر في الناس ، ولا يقبله الله ولا يصعد إليه ، وقيل : المعنى أن معروفه الكثير ، الذي يدل عليه صيغة التفعيل ، لا يعلمه إلا الله ، ومن علمه بالوحي من قبله تعالى لأن معروفه ليس من قبيل الدراهم والدنانير ، بل من جملة معروفه حياة سائر الخلق ، وبقائهم بسببه وأمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية.
وربما يقال في وجه التعليل أن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء والفقراء الذين ليس لهم وجه عند الناس ولا ذكر ، فلا يذكر ذلك في الخلق ، والكافر يجعل معروفه في المشاهير والشعراء والذين يذكرونه في الناس فينتشر فيهم.
فإن قيل : بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي في باب الرياء أن الله تعالى يظهر العمل الخالص ويكثره في أعين الناس ومن أراد بعمله الناس يقلله الله في أعينهم؟
قلنا : يمكن حمل هذا على الغالب ، وذاك على النادر ، وهذا على المؤمن الخالص وذاك على غيرهم ، أو هذا على العبادات المالية وذاك على العبادات البدنية