وهو قول الله عز وجل « عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (١).
______________________________________________________
وذخره ، وإنما استعد للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه ، فالقلب هو العالم بالله ، وهو عامل لله وهو الساعي إلى الله وهو المتقرب إليه ، وإنما الجوارح أتباع له وخدم وآلات يستخدمها القلب ، ويستعملها استعمال الملك للعبيد واستخدام الراعي للرعية ، والصانع للآلة ، والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله ، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله ، وهو المطالب والمخاطب وهو المثاب والمعاقب وهو الذي يستسعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكاه ، وهو الذي يخيب ويشقي إذا دنسه ودساه ، وهو المطيع لله بالحقيقة.
وإنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات أنواره وهو المعاصي المتمرد على الله ، وإنما الساري على الأعضاء من الفواحش آثاره وبإظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه ، إذ كل إناء يترشح بما فيه ، وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه ، وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه ، وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ، ومن جهل بقلبه فهو بغيره أجهل.
وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وقد حيل بينهم وبين أنفسهم ، فإن الله يحول بين المرء وقلبه ، وحيلولته بأن لا يوفقه لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ، وأنه كيف يهوي مرة إلى أسفل السافلين وينخفض إلى أفق الشياطين وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين ، ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين ، ومن لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ويترصد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه وفيه فهو ممن قال الله تعالى فيه : « وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (٢) فمعرفة القلب وحقيقة
__________________
(١) سورة ق : ١٨.
(٢) سورة الحشر : ١٩.