.................................................................................................
______________________________________________________
أوصافه أصل الدين وأساس طريق السالكين.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف ، وفي ذلك التجويف دم أسود وهو منبع الروح ومعدنه ، وهذا القلب موجود للبهائم بل هو موجود للميت ، والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق ، وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته فإن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان ، وتحقيقه يقتضي إفشاء سر الروح ولم يتكلم فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فليس لغيره أن يتكلم فيه.
والروح أيضا يطلق على معنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني ، وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن ، وجريانها في البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والسمع والبصر والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا الدار ، فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان ، والروح مثالها السراج ، وسريان الروح وحركتها في الباطن مثاله مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه ، والأطباء إذا أطلقوا اسم الروح أرادوا به هذا المعنى ، وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب.
والمعنى الثاني هو اللطيفة الربانية العالمة المدركة من الإنسان ، وهو الذي شرحناه في أحد معنيي القلب ، وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (١) وهو أمر عجيب رباني يعجز أكثر العقول و
__________________
(١) سورة الإسراء : ٨٥.