ذكر المؤثرين على أنفسهم قلت بلى جعلت فداك فقال أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد إنما أنت وهو سواء إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر.
______________________________________________________
للمؤمن فهو حقه ويؤثر أخاه به وكأنه عليهالسلام ذكر أقل مراتب الإيثار أو هو مقيد بما إذا كان محتاجا إلى جميع ذلك النصف ، أو فسر عليهالسلام الإيثار مطلقا وإن كان مورد الآية أخص من ذلك للتقييد بالخصاصة.
واعلم أن الآيات والأخبار في قدر البذل وما يحسن منه متعارضة ، فبعضها تدل على فضل الإيثار كهذه الآية ، وبعضها على فضل الاقتصاد كقوله سبحانه : « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً » (١) وكقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وقد يقال : أنها تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، فمن قوي توكله على الله وكان قادرا على الصبر على الفقر والشدة فالإيثار أولى بالنسبة إليه ، ومن لم يكن كذلك كأكثر الخلق فالاقتصاد بالنسبة إليه أفضل ، وورد في بعض الأخبار أن الإيثار كان في صدر الإسلام وكثرة الفقراء وضيق الأمر على المسلمين ، ثم نسخ ذلك بالآيات الدالة على الاقتصاد ، وهذا لا ينافي هذا الخبر لأنه يكفي لرفع استبعاده كون الإيثار مطلوبا في وقت ما لكن المشاطرة أيضا ينافي الاقتصاد غالبا إلا ، إذا حمل على ما إذا لم يضر بحاله.
وفيه إشكال آخر وهو أنه إذا شاطر مؤمنا واحدا واكتفى بذلك فقد ضيع حقوق سائر الإخوان وإن شاطر البقية مؤمنا آخر وهكذا فلا يبقى له شيء ، إلا أن يحمل على المشاطرة مع جميع الإخوان ، كما روي أن الحسن صلوات الله عليه قاسم ماله مع الفقراء مرارا ، أو يخص ذلك بمؤمن واحد أخذه أخا في الله ، كما واخى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين سلمان وأبي ذر رضي الله عنهما ، وبين مقداد وعمار ، وبين جماعة من الصحابة متشابهين في المراتب والصفات ، بل يمكن حمل كثير من أخبار هذا الباب على هذا القسم من الأخوة وإن كان بعضها بعيدا عن ذلك.
__________________
(١) سورة الإسراء : ٢٩.