إلى قبرها ودفنت ، وانصرف عنها أهلها ، وجنّ عليهم اللّيل ، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها مجرّدة(٤) على شفير قبرها ومضيت منصرفاً ، فأتاني الشّيطان فأقبل يزيّنها لي ، ويقول أما ترى بطنها وبياضها ! أما ترى وركيها ! فلم يزل يقول لي هذا حتّى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتّى جامعتها ، وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : يا شاب ويل لك من ديّان يوم الدّين ، يوم يقفني وإيّاك ، كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك(٥) من النار ، فما اظنّ أني اشمّ ريح الجنّة أبداً ، فما ترى لي رسول الله ؟ .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « تنح عني يا فاسق ، إني اخاف أن احترق بنارك ، فما أقربك من النّار ! » ثم لم يزل ( صلى الله عليه وآله ) ، يقول ويشير إليه ، حتى أمعن من بين يديه .
فذهب فأتى المدينة فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبّد فيها ، ولبس مسحاً(٦) وغلّ يديه جميعاً إلى عنقه ، ونادى : يا ربّ هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول ، يا ربّ أنت الذي تعرفني ، وزل منّي ما تعلم سيدي ، يا ربّ إنّي أصبحت من النّادمين ، وأتيت نبيّك تائباً فطردني وزادني خوفاً ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك ، أن لا تخيّب رجائي يا سيدي ولا تبطل دعائي ، ولا تقنطني من رحمتك ، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة ، تبكي له السّباع والوحوش ، فلمّا تمّت له أربعون يوماً وليلة ، رفع يديه إلى السّماء .
وقال : اللّهم ما فعلت في حاجتي ؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت
____________________________
(٤) في المصدر : متجردة .
(٥) كان في الحجرية : لك لشبابك ، وما اثبتناه من المصدر .
(٦) مسحاً : المِسْح : كساء خشن من شعر يلبسه الرهبان والزهاد . لسان العرب ج ٢ ص ٥٩٦ .