والقلوب علىٰ ما وصفنا ، والمنافقون علىٰ ما ذكرنا ، يعضون عليهم الانامل من الغيظ ، وأهل الردة علىٰ ما بينا ، والاُمم الكافرة علىٰ ما قدمنا ، والانصار قد خالفوا المهاجرين وانحازوا عنهم يقولون منا أمير ومنكم أمير ، فدعاه النظر للدين إلىٰ الكف عن طلب الخلافة والتجافي عن الاُمور ، علماً منه أنّ طلبها والحال هذه يستوجب الخطر بالأُمة والتغرير في الدين ، فاختار الكف إيثاراً للاسلام وتقديماً للصالح العام وتفضيلاً للآجلة علىٰ العاجلة . غير أنه قعد في بيته ـ ولم يبايع حتىٰ أخرجوه كرهاً ـ احتفاظاً بحقه واحتجاجاً علىٰ من عدل عنه ، ولو أسرع إلىٰ البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين ، والاحتفاظ بحقه من إمرة المؤمنين ، فدل هذا علىٰ أصالة رأيه ورجاحة حلمه وسعة صدره وإيثاره المصلحة العامة ، ومتىٰ سخت نفس امرئ عن هذا الخطب الجليل والأمر الجزيل ، ينزل من الله تعالىٰ بغاية منازل الدين ، وإنما كانت غايته من فعل أربح الحالين له وأعود المقصودين عليه ، بالقرب من الله عزوجل (١) .
أما قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأن في ذلك اتهاماً من
_______________
(١) المراجعات : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، المراجعة ٨٤ .