وترك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسط الأعداء من المشركين ، حتّى يموّه على أبي قتادة بأنّه أمرُ الله!
فهل أمر اللّهُ عمر بن الخطّاب بالفرار من الزّحف؟ أم أنّه أمرهُ بالثّبات والصبر في الحروب وعدم الفرار؟ فقد قال له ولأصحابه : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ ) (١).
كما أخذ اللّهُ عليه وعلى أصحابه عهداً بذلك ، فقد جاء في الذكر الحكيم : ( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُولا ) (٢).
فكيف يُولّي أبو حفص الدّبر من الزّحف ويدّعي أنّ ذلك أمر الله؟؟
فأين هو من هذه الآيات البيّنات ، أم على قلوب أقفالها؟!
ولسنا هنا بصدد البحث عن شخصية عمر بن الخطّاب ، فسوف نُفرِدُ له باباً خاصّاً به ، ولكنّ حديث البخاري مثيرٌ لم يترك لنا مندوحة من هذه الملاحظة السّريعة.
والذي يهمّنا الآن هو شهادة البخاري بأنّ الصحابة على كثرة عددهم ولّوا مُدبرين يوم حنين ، والذي يقرأ كتب التاريخ في تلك الحروب والغزوات يظهر له العجب العجاب!!
وإذا كان أمرُ الله لا يطاع من أكثر الصحابة ـ كما عرفنا من خلال الأبحاث السّابقة ـ فلا يُستغرب منهم الإعراض عن أوامر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو حىٌّ معهم ، أمّا أوامره بعد وفاته ـ بأبي هو وأمّي ـ ، وما لقيت منهم من
____________
(١) الأنفال : ١٥.
(٢) الأحزاب : ١٥.