تأخّرت تلك المذاهب إلى ذلك العهد؟ وأين كان « أهل السنّة والجماعة » قبل وجود تلك المذاهب؟ وبماذا كانوا يتعبّدون؟ وإلى من كانوا يرجعون؟
ثمّ كيف ينقطعون إلى رجال لم يعاصروا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا عرفوه ، وإنّما ولدوا بعدما وقعت الفتنة ، وبعدما تحارب الصحابة وقتل بعضهم بعضاً ، وكفّر بعضهم بعضاً (١) ، وبعدما تصرف الخلفاء في القرآن والسنّة ، واجتهدوا فيهما بآرائهم.
__________________
١ ـ كما حكموا بارتداد مالك بن نويرة فقتلوه ، مع أنّ أبا قتادة وعمر بن الخطّاب كانا من المعترضين ، وكما كفّرت عائشة عثمان حيث قالت : « اقتلوا نعثلا فقد كفر » ( تاريخ الطبري ٣ : ٤٧٧ ، السيرة الحلبية ٣ : ٤٠٢ ، الفتوح لابن الأعثم الكوفي ١ : ٧٩ ) وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٥٠ عن عمّار قال : « ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع ... » ، وقال الذهبي في مقدّمة رسالته ( في الرواة الثقات المتكلّم فيهم بما لا يوجب ردهم ص ٣ ـ ٢١ ) : « وما زال يمرّ بالرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به ، ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدّة من الصحابة والتابعين والأئمة ، فبعض الصحابة كفّر بعضهم بتأويل ما .. » نقلا عن كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي لأحمد بن الصديق الغماري ص١٤٧.
وقال ابن تيميّة : « وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفرّه الخوارج وكثير من بني أُميّة وشيعتهم الذين قاتلوه وسبّوه ..
وأمّا شيعة علي الذين شايعوه بعد التحكيم ، وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم ، فكان بينهما من التقابل ، وتلاعن بعضهم البعض وتكافر بعضهم ما كان .. » مجموعة الفتاوى ٤ : ٢٦٧.
ومن الواضح أنّ شيعة علي أغلبها من الصحابة الأنصار ، وشيعة معاوية من الصحابة الطلقاء ، وهؤلاء ـ كما صرح ابن تيميّة ـ وقع بينهما التقاتل وتكفير بعضهم البعض.
فما ذكره صاحب كتاب كشف الجاني : ١٧٠ من تكذيب المؤلّف بتكفير الصحابة