وإذا سلّمنا بأنّ الله سبحانه بيّنَ كلّ شيء إلى رسوله ليُبيّنَ للنّاس ما نُزّل إليهم ، فلابدّ أن نُسلّم بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بيّنَ كلَّ شيء ، ولم يترك شيئاً يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلاّ وأعطى فيه حُكماً.
وإذا لم يصلنا ذلك البيانُ أو لم نعرفه نحنُ اليوم ، فذلك ناتجٌ عن قصورنا وتقصيرنا وجهلنا ، أو هو ناتجٌ عن خيانة الواسطة التي بيننا وبينه ، أو هو ناتجٌ عن جهل الصحابة وعدم وعيهم لما بيّنه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولكنّ الله سبحانه وتعالى جلّتْ حكمته يعلم أنّ كلّ هذه الاحتمالات ممكنة أو واقعة فلا يترك شريعته تضيع ، فاصطفى من عباده أئمّةً أورثهم علم الكتاب وتبيانه ، لكي لا يكون للنّاس على الله حجّة ، قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (١).
ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيّن للنّاس ما يحتاجون إليه ، واختصّ وصيّه علياً بكلّ ما يحتاجه الناس بعده إلى قيام الساعة ، وذلك للمزايا التي كان يتمتّع بها علي من بين الأصحاب جميعاً ، من ذكاء مفرط ، وفهم حادٍّ ، وحفظ قوي ، ووعي لكلّ ما يسمع ، فعلّمه النبيّ كلّ ما يعلم ، وأرشد الأُمّة إليه على أنّه بابه الذي منه يُؤتَى.
وإذا قال قائلٌ بأنّ رسول الله بعثه الله للنّاس كافّة ، فليس من حقّه أن يختصّ بالعلم أحدهم ويحرم الآخرين!
قُلنا : ليس لرسول الله في ذلك الأمر شيء ، إنّما هو عبدٌ مأمورٌ ينفّذُ ما يوحى إليه من ربّه ، فالله هو الذي أمره بذلك ، لأنّ الإسلام هو دين التوحيد
__________________
١ ـ فاطر : ٣٢.