عليّاً فدعوته فناجاه حتّى ابهارّ اللّيل ، ثمّ قام عليٌّ من عنده وهو على مطمع ، وقد كان عبد الرحمان يخشى من علي شيئاً ، ثمّ قال : ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتّى فرّق بينهما المؤذّنُ بالصبح.
فلمّا صلّى للنّاس من الصبح ، واجتمع أُولئك الرهطُ عند المنبر ، فأرسل إلى مَن كان حاضراً من المهاجرين والأنصار ، وأرسل إلى أُمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجّة مع عمر ، فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرحمان ثمّ قال : أمّا بعد يا علي إنّي قد نظرت في أمر الناس فلم أرَهم يَعدلونَ بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا ، ثمّ قال مخاطباً لعثمان : أُبايعك على سنّة الله ورسوله والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمان وبايعه الناسُ المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون (١).
والباحث يفهم من هذه الرواية التي أخرجها البخاري بأنّ المؤامرة قد دُبِّرَتُ بليل ، ويفهم أيضاً الدّهاء الذي يتمتّع به عبد الرحمان بن عوف ، وأن اختيار عمر له لم يكن عفوياً.
تأمّل في قول الراوي وهو المسور : فدعوت له عليّاً فناجاه ثمّ قام عليّ من عنده وهو على مطمع.
وهذا يدلّنا على أنّ عبد الرحمان بن عوف هو الذي أطمع علياً في الخلافة ، حتّى لا ينسحبَ عليٌّ من الشورى المزيّفة ، ويتسبّب لهم في انقسام الأُمّة مرّة أُخرى ، كما وقع عقيب بيعة أبي بكر في السقيفة. ويؤكّد صحّة هذا الاحتمال قول المسور : « وقد كان عبد الرحمان يخشى من عليّ شيئاً ».
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٨ : ١٢٣ ( كتاب الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس ).