ولم يكن أبو هريرة من الّذين عُرِفوا بجهاد أو شجاعة ، ولا من أُولئك الدّهاة المفكّرين ، ولا من الفقهاء الحافظين ، ولم يكن يعرف القراءة والكتابة ، وقدم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ملء بطنه ، كما صرّح هو بذلك (١) ، وكما فهم النبيّ منه ذلك عندما أسكنه في أهل الصفة ، وكلّما جيء للنّبي بصدقة من الأكل بعث بها إليهم ، وكان كما يروي هو عن نفسه كثير الجوع ، فيعترض طريق الصحابة ويمثل دور المصروع ، طمعاً في أن يدخلوه إلى بيوتهم ويُطعمُوه.
ولكنّه اشتهر بكثرة الأحاديث التي يرويها عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فبلغَت مرويّاتُه ما يقرب من ستّة آلاف حديث ، وهذا ما ألفتَ نظر المحقّقين إليه ، ولأنّه مع قلّة الصحبة روى أحاديث ووقائع لم يحضرها أبداً.
وجمع بعض المحققّين مجموع مرويّات الخلفاء الراشدين ، والعشرة المبشّرين ، وأُمّهات المؤمنين ، وأهل البيت الطّاهرين ، فلم تبلغ كلّها عشر معشار ما رواه أبو هريرة بمفرده ، مع العلم بأنّ من هؤلاء علي بن أبي طالب الذي صاحب النبيّ ثلاثين عاماً.
ومن ثمّ توجّهت إلى أبي هريرة أصابع الاتّهام ، ووصفته بالكذب والوضع والتدليس ، وقالوا بأنّه أوّل راوية أتُّهم في الإسلام (٢).
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٣ : ٢ ( كتاب البيوع ) و ٣ : ٧٤ ( كتاب المساقاة ).
٢ ـ روى الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ : ٦٠٨ بسنده قال : ( سمعت الشعبي يقول : كان أبو هريرة يدلّس ).
وفي هامش المصدر المذكور ذكر محقّق الكتاب عن الأعمش أنّه قال : ( كان