وكما يحتمل التنجس يحتمل غيره من تكدير الماء أو ممازجة الحمأة المنفرة وغير ذلك ، فإن كلّ واحد من ذلك ضدّ الإصلاح فيقع عليه اسم الإفساد. سلّمنا أنّ المراد بالإفساد هنا التنجيس ، ولكنّه عليهالسلام عطف الإفساد على النزول ، والعطف لا يستلزم كون المعطوف عليه علّة في المعطوف ، بل يقتضي ظاهر اللفظ النهي عن الأمرين فكأنّه قال : لا تنزل إلى البئر ولا تفسد ماءهم بأمر آخر ، ولم يبيّنه فلعلّه بنجاسة تغيّرها ، وبالجملة أنّه محتمل ، ولو سلّمنا ما ذكرته لكان معنا ما ينافيه وبيانه الحديث والاعتبار. أمّا الحديث فما رواه حمّاد عن معاوية عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا يقع في البئر إلّا أن ينتن فإذا أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر (١٠). وما رواه ابن بزيع عن الرضا عليهالسلام قال : ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الريح وتطيب طعمه لأنّ له مادّة (١١).
وأمّا الاعتبار فوجهان :
أحدهما أنّ للبئر اتصالا يمنع من ظهور النجاسة عليه فلا ينجس ما يتّصل به كالماء المحقون إذا كان متّصلا بالماء الجاري أو الكثير.
الثاني أنّ كثرة الماء لو لم تكن موجبا لانقهار النجاسة الملاقية ، لما كان في الكثير المحقون ، لأنّ أحد الأمرين لازم ، وهو إمّا أن تكون الكثرة قاهرة للنجاسة وإمّا أن لا تكون ، فإن كانت لزم في الموضعين ، لكنّها قاهرة في المحقون فيكون هنا ، لقيام الدلالة على عدم الفرق.
والجواب :
قوله : لا نسلّم أنّ الإفساد هنا عبارة عن التنجيس ، قلنا الدليل على أنّه
__________________
(١٠) جامع أحاديث الشيعة ١ ـ ١٢ ـ التهذيب ١ ـ ٢٣٢ والاستبصار ١ ـ ٣٠.
(١١) جامع أحاديث الشيعة ١ ـ ١١ ـ التهذيب ١ ـ ٢٣٤.