الكتاب كأنّه هو لفظه ، وإنْ لم يكن هو بحقيقته ، لما أجازه على المعنى ، وسقط عنه تهمة التحريف والإحالة ، وإن سقطت منه فضيلة الفصاحة والجزالة ، ومعجز الألفاظ في المقالة ....
وإذا كان النعمان قد وضّح خطّة العمل في هذا الكتاب ، وحدّد مادّته ومحتواه ، ومرتبته من الوثوق باعتبار توخّيه التسجيل المباشر أوّلاً ، ثُمّ مراجعة المعز لهذه المواد التي تسقّطها كاتبها على توالي الأيام ، فقد ظلّ التاريخ الذي توقف فيه مبهما نظراً لأنّ صفة التاريخ لم تجي في هذا الكتاب إلاّ بصورة عرضية ... ، لم يكن كتاب المجالس كتاب تاريخ ، ولا كتاب سيرة فقط ، بل هو أيضاً كتاب عقيدة ، وكتاب أدب ... ، ونتبيّن من هذا الكتاب مكانة القاضي النعمان في الدولة الفاطمية ، ومختلف وظائفه الدينية المذهبية والسياسية الديوانية ، كما نجد فيه مسائل عقائدية كمبحث الإمامة ، وما قيل في نسب الفاطميين ، وما نسبه الغلاة إلى الأئمّة ممّا لا يتّفق مع عقيدة الإسلام ، ومسائل في الظاهر والباطن.
ونجد كذلك في الكتاب صورة من الصعوبات التي لقيها الفاطميون في بسط نفوذهم المذهبي على المجتمع الأفريقي ... ، ونستخلص منه أيضاً معلومات عن المهدي والقائم والمنصور والمعز ، وسياستهم الداخلية والخارجية ، وعن طباعهم ومعاملاتهم للناس ، مع نماذج كثيرة من حكمتهم ومواعظهم.
وفي خصوص الأئمّة يمكن جمع الأخبار والإشارات الواردة في الكتاب ، مبثوثة هنا وهناك في كلام المعز ، أو في ذكريات النعمان ....
يصوّر لنا القاضي النعمان في كتابه المجالس والمسايرات المعز على