الحكمة الإلهية ، والطبيعيّة ، وعلم الكلام ، وعلم أُصول الفقه ، والمسائل النظرية الفقهية ، وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق ، ومن ثَمّ وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية والطبيعيّة ، وبين علماء الإسلام في أُصول الفقه ، وعلم الكلام ، وغير ذلك.
والسبب في ذلك أنّ القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة ، لا من جهة المادة ، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام ، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك ».
ثم استظهر ببعض الوجوه تأييداً لما ذكره وقال بعد ذلك :
« فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ، والشاهد على ذلك ما نشاهده من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في أصول الدين ، وفي الفروع الفقهية.
قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدمة عقليّة باطلة بالمقدمة النقلية الظنيّة أو القطعية.
ومن الموضحات لما ذكرناه من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم من الخطأ في مادّة الفكر أنّ المشّائين (١) ادّعوا البداهة في أنّ
__________________
(١) المشّائين : طائفة من الحكماء ، رئيسهم أرسطو.
وقيل في وجه تسميتهم بالمشّائين أُموراً :
منها : أنّ بناء المعلّم الأول أرسطو كان على التدريس حين مشيه ذهاباً إلى خدمة الإسكندر وإياباً.
ومنها : أنّ بناءهم كان على التعلّم والمشي إلى منزل الأُستاذ.
والاتجّاه السائد عموماً لدى أبناء هذه الطائفة في المقام الأول من البحث هو الطريقة العقلية للوصول إلى الكشف عن الحقائق ، وهذا ما يجعلها منسجمةً تماماً مع المقام الثاني من البحث ، وهو المنهج المتّبع لإيصال هذه المعارف والحقائق إلى الآخرين.
ومن أبرز أفراد هذه الطائفة في المشرق الإسلامي : الفارابي ، المحقّق الطوسي ، المحقّق الداماد وغيرهم. وفي المغرب الإسلامي : ابن رشد ، ابن ماجة ، ابن صانع وغيرهم.
انظر بحر الفوائد للاشتياني : ٣٠ ، بحث في مناهج المعرفة : ٤٢.