الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين ، وبالله العون والقوّة ، وعليه نتوكّل في جميع امورنا ، فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادق عليهالسلام : لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين ، وهي : صحة الخلقة ، وتخلية السرب ، والمهلة في الوقت ، ومثل الزاد والراحلة ، والسبب المهيج للفاعل على فعله. فهذه خمسة أشياء جمع بها الصادق عليهالسلام جوامع الفضل ، فإذا نقص العبد منها خلّة كان العمل عنه مطروحا بحسبه ، فأخبر الصادق عليهالسلام بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه ، فشهد بذلك محكمات آيات رسوله ؛ لأن الرسول صلىاللهعليهوآله [وآله عليهمالسلام لا يعدون] (١) شيء من قوله وأقاويلهم حدود القرآن ، فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل ، فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلّا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب.
ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق عليهالسلام من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره (٢) الجبر والتفويض ، وجدنا الكتاب قد شهد له وصدّق مقالته في هذا. وخبر عنه أيضا موافق لهذا أن الصادق عليهالسلام سئل : هل أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال الصادق عليهالسلام : هو أعدل من ذلك. فقيل له : فهل (٣) فوّض إليهم؟ فقال : هو أعزّ وأقهر لهم من ذلك.
وروي عنه أنه قال : الناس في القدر على ثلاث أوجه : رجل يزعم أن الأمر مفوض إليه ، فقد وهّن الله في سلطانه ؛ فهو هالك.
ورجل يزعم أن الله جلّ وعزّ أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون ، فقد ظلم الله في حكمه ؛ فهو هالك.
ورجل يزعم أن الله كلّف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون ، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله ، فهذا مسلم بالغ.
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : لم يعد.
(٢) في «ح» : إنكار.
(٣) في «ح» : فهو.