والصوم والحج ، ولعلّه يعجز عنها أو عن بعضها فيؤجر على ذلك لأنه معقود النيّة عليه. وهذا الجواب منسوب إلى ابن دريد.
وأجاب الغزالي (١) بأن النيّة سرّ لا يطّلع عليه إلّا الله تعالى ، وعمل السرّ أفضل من عمل الظاهر. واجيب بأن وجه تفضيل النيّة على العمل أنّها تدوم إلى آخره حقيقة أو حكما ، وأجزاء العمل لا يتصور فيها الدوام ، إنما تتصرّم شيئا فشيئا) (٢) انتهى ما نقله الشهيد ـ نوّر الله مرقده ـ وأفاده في قواعده.
وممن تكلم في ذلك شيخنا البهائي ـ طيّب الله مضجعه ـ في (الأربعون) فإنه ذكر بعض أجوبة شيخنا الشهيد ، وقال بعدها : (ومنها أن المراد بنيّة المؤمن : اعتقاد الحق ، ولا ريب أنه خير من أعماله ؛ إذ ثمرته الخلود في الجنّة ، وعدمه يوجب الخلود في النار بخلاف الأعمال.
ومنها أن طبيعة النيّة خير من طبيعة العمل ؛ لأنه لا يترتّب عليها عقاب أصلا ، بل إن كانت خيرا اثيب عليها وإن كانت شرا كان وجودها كعدمها بخلاف العمل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٣) ، فصحّ أن النيّة بهذا الاعتبار خير من العمل.
ومنها أن النية من أعمال القلب وهو أفضل الجوارح فعمله أفضل من عملها ، ألا ترى إلى قوله (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤) ، جعل سبحانه الصلاة وسيلة إلى الذكر ، والمقصود أشرف من الوسيلة. وأيضا فأعمال القلب مستورة عن الخلق لا يتطرق إليها الرياء ونحوه ، بخلاف أعمال الجوارح.
ومنها أن المراد بالنيّة تأثير القلب عند العمل وانقياده إلى الطاعة وإقباله على
__________________
(١) إحياء علوم الدين ٤ : ٣٦٦.
(٢) القواعد والفوائد ١ : ١٠٨ ـ ١١٤ / القاعدة : ٣٩ ـ الفائدة : ٢٩.
(٣) الزلزلة : ٧ ـ ٨.
(٤) طه : ١٤.