الأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، ومخالفة الكتاب ؛ إذ يقول (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (١) ، وقوله عزوجل (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٢) ، وقوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) ، (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٤) ، وقوله (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (٥) ، وقوله (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (٦)؟
فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز ، وأوجب عليه (٧) قبول كل ما عملوا من خير وشر ، وأبطل أمر الله ونهيه ، ووعده ووعيده ؛ لعلة ما زعم أن الله فوضها (٨) إليه لأن المفوض إليه يعمل بمشيئته ، فإن شاء (٩) الكفر أو الإيمان كان غير مردود عليه ولا محظور. فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه وهو من أهل هذه الآية (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ) (١٠) تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوّا كبيرا.
لكن نقول : إن الله جلّ وعزّ خلق الخلق بقدرته ، وملّكهم استطاعة تعبدهم بها ، فأمرهم ونهاهم بما أراد ، فقبل منهم اتّباع أمره ، ورضي بذلك لهم ، ونهاهم عن معصيته ، وذمّ من عصاه وعاقبه عليها ، ولله الخيرة في الأمر والنهي ، يختار ما يريد ويأمر به وينهى ، عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملّكها عباده لاتّباع أمره واجتناب
__________________
(١) الزمر : ٧.
(٢) آل عمران : ١٠٢.
(٣) الذاريات : ٥٦.
(٤) الذاريات : ٥٧.
(٥) النساء : ٣٦.
(٦) الأنفال : ٢٠.
(٧) العجز وأوجب عليه ، سقط في «ح».
(٨) في «ح» : فوّضهما.
(٩) شطب عنها في «ح».
(١٠) البقرة : ٨٥.